اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَهُوَ ذِكْرٌ مِنَ اللَّهِ أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَقَدْ تَكَفَّلَ سُبْحَانَهُ بِحِفْظِهِ، فَلَوْ جَازَ عَلَى حُكْمِهِ الْكَذِبُ وَالْغَلَطُ وَالسَّهْوُ مِنَ الرُّوَاةِ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى غَلَطِهِ وَسَهْوِ نَاقِلِهِ لَسَقَطَ حُكْمُ ضَمَانِ اللَّهِ وَكَفَالَتِهِ لِحِفْظِهِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ، وَنَحْنُ لَا نَدَّعِي عِصْمَةَ الرُّوَاةِ، بَلْ نَقُولُ: إِنَّ الرَّاوِيَ إِذَا كَذَبَ أَوْ غَلِطَ أَوْ سَهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْأُمَّةِ مَنْ يَعْرِفُ كَذِبَهُ وَغَلَطَهُ لِيَتِمَّ حِفْظُهُ لِحُجَجِهِ وَأَدِلَّتِهِ، وَلَا تَلْتَبِسَ بِمَا لَيْسَ مِنْهَا، فَإِنَّهُ مِنْ حُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ، بِخِلَافِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ هَذِهِ الْأَخْبَارِ وَالْأَحْكَامِ الْمَنْقُولَةِ إِلَيْنَا آحَادًا كَذِبًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ كَمَا قَالَهُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ، إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا، وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ.
الدَّلِيلُ السَّادِسَ عَشَرَ: مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ نَفْسُهُ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «نَضَرَّ الَلَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا وَأَدَّاهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ، إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَالنَّصِيحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ» ".
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى اسْتِمَاعِ مَقَالَتِهِ وَحِفْظِهَا وَأَدَائِهَا أَمَرَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا وَلَوْ وَاحِدٌ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ مَنْ يُؤَدِّي عَنْهُ إِلَّا مَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ أَدَّى إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُؤَدَّى عَنْهُ حَلَالٌ يُؤْتَى، وَحَرَامٌ يُجْتَنَبُ وَحَدٌّ يُقَامُ، وَمَالٌ يُؤْخَذُ وَيُعْطَى، وَنَصِيحَةٌ فِي دِينٍ وَدُنْيَا، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَحْمِلُ الْفِقْهَ غَيْرُ الْفَقِيهِ يَكُونُ لَهُ حَافِظًا وَلَا يَكُونُ فِيهِ فَقِيهًا، وَأَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ فِي إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لَازِمٌ. انْتَهَى.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ لَوْ لَمْ يُفِدْ عِلْمًا لَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِمَّنْ أَدَّى إِلَيْهِ إِلَّا مِنْ عَدَدِ التَّوَاتُرِ الَّذِي لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ إِلَّا بِخَبَرِهِمْ، وَلَمْ يَدْعُ لِلْحَامِلِ الْمُؤَدِّي وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا؛ لِأَنَّ مَا حَمَلَهُ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ، فَلَمْ يَفْعَلْ مَا يَسْتَحِقُّ الدُّعَاءَ وَحْدَهُ إِلَّا بِانْضِمَامِهِ إِلَى أَهْلِ التَّوَاتُرِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ الْحَدِيثُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute