الْأُلْفَةِ وَالْمَوَدَّةِ، وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ حَدَثَتْ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا فَأَوْرَثَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ التَّوَلِّيَ وَالْإِعْرَاضَ وَالتَّدَابُرَ وَالتَّقَاطُعَ، وَرُبَّمَا ارْتَقَى إِلَى التَّكْفِيرِ، عَلِمْتَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فِي شَيْءٍ، بَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ ذِي عَقْلٍ أَنْ يَجْتَنِبَهَا وَيُعْرِضَ عَنِ الْخَوْضِ فِيهَا.
إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى شَرْطًا فِي تَمَسُّكِنَا بِالْإِسْلَامِ أَنْ نُصْبِحَ فِي ذَلِكَ إِخْوَانًا، فَقَالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: ١٠٣] .
قَالَ: (فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ) : الْخَوْضُ فِي مَسَائِلِ الْقَدَرِ وَالصِّفَاتِ وَالْإِيمَانِ يُورِثُ التَّقَاطُعَ وَالتَّدَابُرَ، فَيَجِبُ طَرْحُهَا وَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا عَلَى مَا قَرَّرْتُمْ.
(فَالْجَوَابُ) : إِنَّمَا قُلْنَا هَذَا فِي الْمَسَائِلِ الْمُحْدَثَةِ، فَأَمَّا هَذِهِ الْمَسَائِلُ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا عَلَى مَا ثَبَتَ بِهِ النَّقْلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَلَا يَجُورُ لَنَا الْإِعْرَاضُ عَنْ نَقْلِهَا وَرِوَايَتِهَا وَبَيَانِهَا كَمَا فِي أَصْلِ الْإِسْلَامِ وَالدُّعَاءِ إِلَى التَّوْحِيدِ وَإِظْهَارِ الشَّهَادَتَيْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ مَعَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَنَّ الْحَقَّ فِيمَا رَوَوْهُ وَنَقَلُوهُ.
(فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ) : أَنْتُمْ سَمَّيْتُمْ أَنْفُسَكُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ وَمَا نَرَاكُمْ فِي ذَلِكَ إِلَّا مُدَّعِينَ لِأَنَّا وَجَدْنَا كُلَّ فِرْقَةٍ مِنَ الْفِرَقِ تَنْتَحِلُ أَتْبَاعَ السُّنَّةِ، وَتَنْسِبُ مَنْ خَالَفَهَا إِلَى الْبِدْعَةِ وَلَيْسَ عَلَى أَصْحَابِكُمْ مِنْهَا سِمَةٌ وَعَلَامَةٌ أَنَّهُمْ أَهْلُهَا دُونَ مَنْ خَالَفَهَا مِنْ سَائِرِ الْفِرَقِ، وَكُلُّنَا فِي انْتِحَالِ هَذَا اللَّقَبِ شُرَكَاءُ مُتَكَافِئُونَ، وَلَسْتُمْ بِأَوْلَى بِهَذَا اللَّقَبِ إِلَّا أَنْ تَأْتُوا بِدَلَالَةٍ ظَاهِرَةٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ مِنْ إِجْمَاعِ الْمَعْقُولِ.
(فَالْجَوَابُ) : أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ دَعْوَى إِلَّا بِبَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ أَوْ بِدَلَالَةٍ ظَاهِرَةٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُمَا لَنَا قَائِمَتَانِ بِحَمْدِ اللَّهِ وَمَنِّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧] فَأَمَرَنَا اتِّبَاعَهُ وَطَاعَتَهُ فِيمَا سَنَّهُ وَأَمَرَ بِهِ وَمَا نَهَى عَنْهُ وَمَا حَكَمَ بِهِ، وَقَالَ: " «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي» " وَقَالَ: " «وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي، وَمَنْ أَحَبَّ سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ» " فَعَرَفْنَا سُنَّتَهُ وَوَجَدْنَاهَا بِهَذِهِ الْآثَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute