قَالُوا: وَأَظْهَرُوا مِنْ ذَلِكَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فَإِنَّهَا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ شَاهَدَهُ الْجَمْعُ الْعَظِيمُ وَالْجَمُّ الْغَفِيرُ، فَهَذَا يَقُولُ أَفْرَدَ، وَهَذَا يَقُولُ تَمَتَّعَ، وَهَذَا يَقُولُ قَرَنَ، فَكَيْفَ لَنَا بَعْدَ ذَلِكَ بِالْوُثُوقِ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ، فَلِذَلِكَ أَطْرَحْنَاهَا رَأْسًا، فَهَؤُلَاءِ أَعْطَوُا الِانْسِلَاخَ مِنَ السُّنَّةِ وَالدِّينِ حَقَّهُ، وَطَرَدُوا كُفْرَهُمْ وَخَلَعُوا رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ أَعْنَاقِهِمْ، وَتَقَسَّمَتِ الْفِرَقُ قَوْلَهُمْ هَذَا فِي رَدِّ الْأَحَادِيثِ (فَطَائِفَةٌ) رَدَّتْهَا رَأْسًا وَجَوَّزَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَطَأَ وَالْغَلَطَ، وَهَؤُلَاءِ سَلَفُ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ قَدَحَ رَئِيسُهُمْ فِي فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: لَهُ «اعْدِلْ، فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ» وَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: «إِنَّ هَذِهِ قِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ» ، فَقَدَحَ هَذَا فِي قَصْدِهِ وَقَدَحَ الْآخَرُ فِي حُكْمِهِ وَعَدْلِهِ.
وَطَائِفَةٌ أُخْرَى قَالُوا: لَا نَقْبَلُ مِنْهَا إِلَّا مَا وَافَقَ الْقُرْآنَ، وَمَا لَا يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ فَإِنَّا نَرُدُّهُ وَلَا نَقْبَلُهُ، وَهَذِهِ الطَّائِفَةُ هُمُ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «يُوشِكُ الرَّجُلُ أَنْ يَكُونَ شَبْعَانَ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْقُرْآنُ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ حَلَّلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ» " وَفِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «أَلَا هَلْ رَجُلٌ يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنِّي وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى أَرِيكَتِهِ فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ، فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلَالًا اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ، وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ» " وَمِمَّنْ أَحْسَنَ الرَّدَّ عَلَى هَذِهِ الطَّائِفَةِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ جُمَّاعِ الْعِلْمِ وَإِبْطَالِ الِاسْتِحْسَانِ وَفِي الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا.
وَطَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ قَالَتْ: نَقْبَلُ مِنَ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَاتِرَهَا وَنَرُدُّ آحَادَهَا، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَقْتَضِي عِلْمًا أَوْ عَمَلًا، وَقَدْ نَاظَرَ الشَّافِعِيُّ بَعْضَ أَهْلِ زَمَانِهِ فِي ذَلِكَ، فَأَبْطَلَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَهُ وَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحُجَّةَ، وَعَقَدَ فِي الرِّسَالَةِ بَابًا أَطَالَ فِيهِ الْكَلَامُ فِي تَثْبِيتِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَلُزُومِ الْحُجَّةِ بِهِ، وَخُرُوجِ مَنْ رَدَّهُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْبَتَّةَ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ وَأَحَادِيثِ الصِّفَاتِ، وَلَا يُعْرَفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute