للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غَيْرُهُ كَمَا دَلَّ دَلِيلُ التَّمَانُعِ عَلَى أَنَّ خَالِقَهُ وَاحِدٌ لَا رَبَّ غَيْرُهُ، فَذَاكَ تَمَانُعٌ فِي الْفِعْلِ وَالْإِيجَادِ وَهَذَا تَمَانُعٌ فِي الْغَايَةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ، فَكَمَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَالَمِ رَبَّانِ خَالِقَانِ مُتَكَافِئَانِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ إِلَهَانِ مَعْبُودَانِ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: ١١] فَلِلَّهِ مَا أَحْلَى هَذَا اللَّفْظَ وَأَوْجَزَهُ وَأَدَلَّهُ عَلَى بُطْلَانِ الشِّرْكِ، فَإِنَّهُمْ إِنْ زَعَمُوا أَنَّ آلِهَتَهُمْ خَلَقَتْ مِنْ شَيْءٍ مَعَ اللَّهِ طُولِبُوا بِأَنْ يُرُوهُ إِيَّاهُ، وَإِنِ اعْتَرَفَتْ أَنَّهَا أَعْجَزُ وَأَضْعَفُ وَأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ كَانَتْ آلِهَتُهَا بَاطِلًا وَمُحَالًا.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف: ٤] فَطَالَبَهُمْ بِالدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ وَالْعَقْلِيِّ.

وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: ١٦] فَاحْتَجَّ عَلَى تَفَرُّدِهِ بِالْإِلَهِيَّةِ بِتَفَرُّدِهِ بِالْخَلْقِ، وَعَلَى بُطْلَانِ إِلَهِيَّةِ مَا سِوَاهُ بِعَجْزِهِمْ عَنِ الْخَلْقِ، وَعَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ بِأَنَّهُ قَهَّارٌ، وَالْقَهْرُ التَّامُّ يَسْتَلْزِمُ الْوِحْدَةَ، فَإِنَّ الشَّرِكَةَ تُنَافِي تَمَامَ الْقَهْرِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ - مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: ٧٣ - ٧٤] فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَثَلَ الَّذِي أُمِرَ النَّاسُ كُلُّهُمْ بِاسْتِمَاعِهِ، فَمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ فَقَدْ عَصَى أَمْرَهُ، كَيْفَ تَضَمَّنَ إِبْطَالَ الشِّرْكِ وَأَسْبَابَهُ بِأَوْضَحِ بُرْهَانٍ فِي أَوْجَزِ عِبَارَةٍ وَأَحْسَنِهَا وَأَحْلَاهَا، وَسَجَّلَ عَلَى جَمِيعِ آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ لَوِ اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَعَاوَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَبْلَغِ الْمُعَاوَنَةِ لَعَجَزُوا عَنْ خَلْقِ ذُبَابٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ بَيَّنَ عَجْزَهُمْ وَضَعْفَهُمْ عَلَى اسْتِنْقَاذِ مَا يَسْلُبُهُمُ الذُّبَابُ

<<  <   >  >>