للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعالجونها بما يشبه التهلكة والانتحار حيث لا يعرفون لمواجهة الأزمات، وحل المشكلات إلا طريقا واحدا هو طريق العنف الانتحاري بالقول والعمل، ويقترفون الحماقة ويجانبون الحكمة. وهذه هي الصفة الغالبة على الأفراد والجماعات، والهيئات الرسمية والشعبية والمنظمات الوطنية العاملة في ميادين البناء الداخلي، أو المقاومة للاحتلال الخارجي.

أما عن آثار القصور في ميادين الإرادات النبيلة العازمة، فإن الظاهرة البارزة لآثار هذا القصور هو فقدان الإنسان للسعادة، وفقدان لذة الاستمتاع بثمرات النجاح الذي توصله إليه القدرات التسخيرية.

وهذه هي حال التربية في المؤسسات التربوية القائمة في الأقطار المتقدمة خاصة في أوربا وأمريكا. فلا شك أن هذه المؤسسات قد حققت نجاحات هائلة في ميادين الخبرات المربية، والقدرات العقلية التي تزاوجت لإنجاب أفراد ذوي قدرات تسخيرية عالية في ميادين الكشف، والاختراع وتطوير التكنولوجيا والإدارة والسياسة وغيرها. ولكن المشكلة التي أفرزتها المؤسسات التربوية هناك هي الأزمة في الإرادات النبيلة العازمة. فهذه المؤسسات تعاني من قصور شديد في مجال تربية الإرادة، حيث تقف مستويات هذه الإرادة التي تنميها المؤسسات التربوية المذكورة عند مستوى إرادات الطعام، وإرادات الحفاظ على النوع ولا تتخطاها إلى مستوى إرادة الارتقاء بالجنس البشري، والسبب في ذلك هو غياب -المثل الأعلى- وقصور مستويات -المثل السوء- الذي تعرضه الفلسفات التربوية الموجودة هناك. مما أفرز -وما زال يفرز- سلاسل متلاحقة من الأزمات الأخلاقية، والاجتماعية. وتكرار هذه الأزمات له نتائجه السلبية المدمرة في اتجاهات الأفراد والجماعات سواء.

فهو -أولًا- يؤدي إلى فقدان الثقة بالعلم، وخيبة الآمال التي ترتبت عليه -كما يقول إدجار فور، وزملاؤه في تقريرهم التربوي. ذلك إن التفاوت الهائل بين التكنولوجيا المتقدمة التي أفرزها العلم، وبين القيم الإنسانية المتخلفة بسبب غياب المثل الأعلى قد قلب ثمرات العلم والتقدم إلى عكس الغايات التي نشأ العلم بسببها. فالإنسان أصبح يعاني -أكثر من

<<  <   >  >>