أدى إلى ظاهرتين إحداهما إيجابية والأخرى سلبية. أما الظاهرة الإيجابية فهي تحديد مكانة كل فرد بمقدار ما ينتجه، فأدى ذلك إلى تقدم الصناعة ووفرة الإنتاج. ولكن الظاهرة السلبية هي إن مكانة الفرد تحددت بمقدار ما يستهلكه في ميادين الحياة المادية، وبذلك اشتغل التنافس بين الأفراد والجماعات، وشاعت المقاييس المادية وحلت محل المقاييس الأخلاقية والعلمية، وانقطع التواصل وانهار الاجتماع، وأصبحت النفعية المادية تحكم العلاقات وتوجهها. وليس صحيحا أن النفعية شاعت؛ لأن فلسفة تربوية معينة -كالبراجماتية- أو فيلسوفًا خاصا -مثل جون ديوي- قال بها وتبناها، وإنما البراجماتية جاءت ثمرة "ثقافة الاستهلاك"، ولم يزد جون ديوي وأمثاله عن دور تبرير ما شاع وانتشر ثم صياغته صياغة تربوية علمية كما هو منهج التفكير الغربي، الذي يستمد مبادئه مما يشيع في الواقع، ويعترف به المجتمع.
ولكن أخطر مظاهر هذا الأثر السلبي إن التربية الحديثة، قضت على الجانب الإنساني الأخلاقي في شخصية الفرد المعاصر؛ لأن هذه النظم فصلت بين العلوم الطبيعية، وبين العلوم الإنسانية والدينية ثم حصرت الثانية، والثالثة في تخصصات معزولة عن تيار الحياة الجاري، وجعلت مهمتها -في أحسن الظروف- المشاركة في الترويح، وتخفيف التوترات النفسية والاجتماعية التي تفرزها بيئة العمل والاستهلاك. في حين هيأت جميع الوسائل لتفجر المعرفة الطبيعية، وتطبيقاتها التكنولوجية واستعمالاتها الاجتماعية دون إرشاد أو توجيه. فأدى ذلك إلى انهيارات في توازن المجتمعات، وإلى بروز طبقتين من الناس: طبقة أقلية تملك ثمار هذه المعارف، والتطبيقات التكنولوجية وتتحكم بالمصائر، وطبقة تنتج هذه التطبيقات، وتنال أقل من أثمان المواد التي يجري تشجيعها على استهلاكها.
وكانت المحصلة لذلك كله عودة "الصنمية" إلى وجدان الفرد المعاصر، حيث انغرس في نفسه نوع من -الاقتران الإشراطي- بقدرة الإنسان على رزق أخيه الإنسان أو حرمانه، وقدرته على منح الحياة أو سلبها، فأدى ذلك كله إلى عودة الرق في شكل يناسب العصر كما يشير إلى ذلك الدراسات التي أفرزتها منظمات العمل الدولية، والمعاهد المتخصصة.