أما عن الصفة الثانية وهي -إعداد الفرد ليكون مستهلكا- فهذا واضح في الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام والصحافة، والسينما والتلفزيون والمعارض وغيرها. وإذا كانت الإعلانات التجارية تمارس التربية الاستهلاكية بصورة مباشرة، فإن تنمية الاتجاهات الاستهلاكية تجري بأساليب غير مباشرة في السينما والتلفزيون، والتركيز على قصص الحب ومسلسلات الغرام، وما يتفرع
عنها وخلالها من المناظرة، والمواقف ليس هدفا في ذاته، وإنما هو وسيلة لعرض
ما يتخلل هذه المواقف والمناظر من مظاهر الحفلات واللباس، والزينة والهدايا والسيارات والتنزه والرحلات وكل ما يتطلبه التسويق التجاري، ورفع شيهة "الاستهلاك"، وتوجيه المشاهدين إلى ذلك كله. ونحن نعلم الأثر الذي يحدثه
أمثال ألفيس برسلي، أو جيمس بوند، أو ممثل السيارة المسحورة، أو ممثلات
الإغراء في نشر بنطلون الجينز، وسيارات الجاكور والمسجلات الموسيقية، والأزياء والموديلات وإيجاد "الفرد المستهلك"، الذي يستهلك أكثر مما يحصل
عليه من الأجر.
ولا يقتصر هذا الفرق في التوجيه على الأفراد، وإنما يمتد إلى المجتمع، ففي حين تسهم التربية الإسلامية في إفراز ما يمكن أن نسميه "ثقافة القيم" حيث تقاس الأنشطة، والظواهر الاجتماعية بمقاييس القيم والمثل الأخلاقية التي جاء بها الإسلام، فإن التربية الحديثة تسهم في إفراز ما يمكن أن نسميه بـ"ثقافة العمل والاستهلاك"، وقياس الأنشطة والظواهر الاجتماعية بمقدار ما يستهلكه الفرد والجماعة. كذلك يمتد هذا الأثر إلى العادات والتقاليد، وغير ذلك من مظاهر الحياة الاجتماعية القائمة.
والواقع أن إفراز "ثقافة العمل والاستهلاك" في المجتمعات الحديثة قد
١ John Jarolimek, the School in Contemporary Society, "New york: Macmilan Publishing Co. Inc. ١٩٨١" PP. ١٢٧-١٢٩.