وقبل المضي في تحليل قائمة الأهداف المذكورة أود أن أشيد بروح المثابرة، والجد التي تتصف بها الهيئات التربوية العاملة في أمريكا، وأوربا وأن أغبط المختصين على الروح الجماعية، والشعف العلمي اللذين يتصف بهما البحث التربوي هناك، وأن أقدر للمجتمعات هناك المكانة التي أعطتها للتربية والمربين. ولكن هذه الجهود المتواصلة والتضحيات الجسيمة لا تمنع من القول أن البحث التربوي لم يصل بعد إلى حل جذري لأزمة الأهداف التربوية، وإن مضاعفات هذه الأمة ما زالت تتفاعل على أماكن التطبيق التربوي، والمجتمعات الفسيحة. والسبب هو الأزمة القائمة في ميدان فلسفة التربية الأم المباشرة المولدة للأهداف التربوية، وهي أزمة نابغة من الفراغ العقائدي عامة.
إن النظر في قائمة الأهداف التربوية، التي توصلت إليها -لجنة البحث والتنظير- الأميركية يكشف عن أن القائمة لم تنج من النواقص والعيوب التي نسبتها اللجنة إلى القوائم السابقة التي راجعتها واعتمدت عليها. فهي أيضا ركزت على المهارات الجسدية، والعقلية ولم تورد عن التربية الإنسانية إلا تعميمات فضفاضة. كذلك لم تتصف القائمة بالتكامل العقلي، والعاطفي والنفسي، كما أنها تجاهلت تماما ما يتعلق بنشأة الإنسان ومصيره، وعلاقة الإنسان بالإنسان في قرية الكرة الأرضية. ولو أننا اعتمدنا المقياس الذي طرحه -جون وايت- في الصفحات التي مرت حول اعتبار أهداف التربية كامنة في النفس، وإن الذين يستطيعون كشف هذه الأهداف هم الخبراء بهذه النفس لوضعنا أيدينا على جذور الأزمة، وهي أن المرجع الأول لمعرفة النفس الإنسانية هو -خالق النفس- الذي أودع بها قدراتها وخصائصها، وإلى هذا المنهج يوجه القرآن في أول آية ابتدأ بها الوحي:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق] .