ولقد أدركت الدول المتقدمة في العصر الحديث -خاصة الولايات المتحدة- أهمية هذه الهجرة النفسية في بناء الجبهة الداخلية. ولذلك جعلتها من الأصول التي يقوم عليها نظام التربية فيها، وأطلقت عليها اسم -البوتقة الصاهرة- Melting Pot -وحشدت لها- وما زالت تحشد- ما تتطلبه من قدرات ومؤسسات بغية صهر ثقافات أفواج المهاجرين القادمين إلى الولايات المتحدة في بوتقة الثقافة الأمريكية الموحدة.
وفي المقابل تبدو خطورة -الردة الثقافية- التي مارستها نظم التربية ومؤسسات الثقافة والإرشاد والإعلام في "الدول الإقليمية" القائمة في "مزق" الأمة الإسلامية المتوفاة، وهي تركز جهودها على تطوير ثقافات إقليمية، وقيم إقليمية، وفولكلور إقليمي، وفنون إقليمية، وآداب إقليمية، وأعياد إقليمية، وآثار إقليمية استمدتها جميعا من ثقافات العصبيات الجاهلية التي هجرها "الأجداد المؤمنون" في الماضي الأمر الذي رسخ التمزق، وكرس الفرقة والاختلاف، وأقام حواجز صلدة عنيدة أمام حركات الإصلاح، ومحاولات الوحدة.