للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويرتقي ويتطور من نفسه دون اعتبار لقوة الله المسيرة للنشأة والترقي والتطور، وهكذا ظهر عند الغربيين ما يسمى بنظرية التطور evolution، ونظرية الخلق Creationism.

ولكن من الإنصاف أن نقول أن العقل الإسلامي في الماضي لم يكن غائبا دائما عن أهمية الهجرة واستمراريتها. فهذا ابن تيمية يعلق على الآية التي قدمناها كإطار لعناصر الأمة المسلمة، ويذكر أن المؤمنين الذين ذكرتهم الآية صنفان: المهاجرون الذين هاجروا إلى المدينة من بلادهم، والأنصار الذين استقبلوهم. ومن لم يهاجر من الأعراب لهم حكم آخر. وآخرون كانوا ممنوعين من الهجرة لمنع أكابرهم لهم. فكل هذه الأنواع حكمهم باق إلى يوم القيامة في أشباههم ونظائرهم. وأضاف أن معنى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} هو إشارة إلى من تبع هذا المنهاج إلى يوم القيامة١.

ولكن الآبائية التي تستمد جذورها من ثقافة العصبية القبلية كانت دائما تطلي حرانها بطلاء إسلامي فترفض الهجرة والتجدد، وتشن إرهابا فكريا على العقول المجددة، وتغري الحاكمين بأصحابها، فتجهز عليهم وتحرم الأمة من ثمرات اجتهادهم.

والأهمية الرابعة، هي أن الهجرة النفسية والفكرية ضرورة من ضرورات وحدة الجبهة الداخلية في الأمة المسلمة. إذ يقوم جوهر هذه الهجرة على هجر -الأفراد المؤمنين- لمعتقداتهم وثقافاتهم، وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم السابقة المتناقضة المفرقة ليحل محلها عقيدة واحدة، وثقافة واحدة، ونظام قيم واحد تتفرع عنه عادات، وتقاليد وممارسات واحدة يكون من ثمارها رص الصفوف وتجانس السلوك، واتفاق الكلمة وتنسيق المقدرات.


١ ابن تيمية، الفتاوى، كتاب التصوف، جـ١١، ص٣٩.

<<  <   >  >>