للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بتغيير ما في الأنفس كتناسب كمية الخميرة اللازمة لتخمير كمية معينة من العجين. واهتزاز هذه النسبة في العالم الإسلامي أمر بارز الوضوح إذ لم يظهر فيه طوال القرون التسعة الأخيرة إلا عدد محدود من المجددين ابتداء من أيام ابن تيمية ومرورا بابن عبد الوهاب في الجزيرة والشوكاني في اليمن، والسرهندي في الهند ثم الأفغاني ومحمد عبده حتى جيل حسن البنا، والمودودي ومالك بن نبي في الوقت الحاضر، مع اعتبار المعاناة الشديدة التي واجهتها تلك القلة المصلحة من الكثرة المتمسكة بالآبائية والجمود. بينما يوجد في بلد -كالولايات المتحدة مثلًا- من المفكرين الأحياء المعادلين لمنزلة "المجتهد" ما يزيد عن ثلاثة ملايين، ومع ذلك فهي توفر لهم كل أسباب الإبداع ولا تتوقف عن البحث عن المتفوقين الأذكياء في الداخل، واستقدامهم من الخارج.

والثاني، توفير البيئة الصالحة لنجاح الهجرة المنشودة بمظاهرها النفسية والحسية. والحرية هي التجسيد العملي للبيئة المطلوبة؛ لأن الهجرة هي حرية التفكير والاختيار. والذين اتصفوا بحرية التفكير والاختيار من معاصري الرسالة الإسلامية، هم الذين هاجروا من حياة الجاهلية إلى الإسلام. أما الذين لم يتصفوا بهذه الحرية، فقد ظلوا يمارسون الحران والرفس جامدين على ما انحدر إليهم من آبائهم من معتقدات، ونظم وثقافة وممارسات، وقيم انتهت بهم إلى الهلاك والبوار.

فالهجرة لا تصل مداها المشار إليه إلا إذا حررت التربية نفوس المتعلمين من داخل، وهيأت التطبيقات والسياسات الإدارية لتسود الحرية حياة الأمة من خارج. ذلك أن الحرية عامل أساسي في تحقيق أمرين: الأول، نمو القدرات العقلية اللازمة للمعرفة والعلم. والثاني، إطلاق الإرادات العازمة اللازمة لمناصرة الحق والتقدم، ومناهضة الباطل والتخلف. وحين تختفي الحرية تتعطل القدرات العقلية، وتتقلص الإرادات العازمة وتتوقف الأمة عن الإبداع، والإنجاز وتسير في طريق الضعف المفضي إلى

<<  <   >  >>