للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاستضعاف في الدنيا والعقوبة في الآخرة. لذلك لا بد أن تكون التربية الإسلامية قادرة على تحقيق ثلاثة أمور هي:

الأول، فرز الأذكياء الموهوبين -أو أولي الألباب حسب المصطلح القرآني- في الداخل واستقدامهم من خارجٍ ثم إعداد هؤلاء لقيادة عمليات التغيير، والتجديد في الأمة المسلمة، مع الحذر من تسرب "الأغبياء" الذين تنصبهم ولاءات العصبيات الأسرية والقبلية، والإقليمية "أصناما ثقافية" و"معوقات حاسدة" مهلكة تضطهد الأذكياء وتتحكم بمصائرها، وتدفعهم إلى الهجرات والهجمات المعاكسة.

والثاني، تدريب -إنسان التربية الإسلامية- على مراجعة الموروثات الثقافية، والاجتماعية المتحدرة من كل جيل، واكتشاف الجوانب التي عدا عليها الخطأ، أو الإفساد في الفهم والتطبيق، أو تلك التي مضى زمنها وبطل مفعولها، ثم القدرة على التخلص منها ومن آثارها، والهجرة من تطبيقاتها في ميادين السياسة والاجتماع، والاقتصاد وسائر مظاهر الثقافة السائدة في القيم والتقاليد، والعادات والأخلاق والفنون، والنظم وشبكة العلاقات الاجتماعية.

فالهجرة -هنا- توبة من الثقافة الخاطئة أو التي بطل مفعولها، ومما يتفرع عنها من نظم وتطبيقات ومؤسسات، وممارسات ووظائف خاطئة أو متخلفة. والرسول -صلى الله عليه وسلم- يربط بصراحة بين الهجرة والتوبة فيقول:

"لا تنقطع الهجرة حتى تنقع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها" ١.

فالهجرة توبة، والتوبة هجرة. وكلاهما انتقال من الخطأ والجمود والتخلف، وانتقال من البيئات التي ترعى هذه السلبيات الموقفة للارتقاء، الخانقة للعيش، المانعة للحياة.


١ سنن الدارمي، جـ٢ "دار إحياء السنة النبوية"، ص٢٤٠.

<<  <   >  >>