للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فابن تيمية يرمز لرجال القوة بـ"السيف" تمشيا مع وسائل تكنولوجيا القوة في عصره، بينما يشير القرآن لها بـ"الحديد" المادة الأساسية لتكنولوجيا القوة في كل عصر.

ولقد كان عصر النبوة والخلافة الراشدة تطبيقا للمعادلة القرآنية بين رجال الفكر، وجمهور الأمة ورجال القوة. فقد كان "فقهاء الرسالة" يتصدرون مواقع الإمامة في الأمة ابتداء من إمامة الصلاة، حتى إمامة المجتمع كله. ومن المعروف جيدا أن الخلفاء الراشدين كانوا أعظم فقهاء الرسالة بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأنهم لولا انشغالهم بشئون السياسة، وتسيير جيوش الفتح الإسلامي لتركوا مجلدات مبتكرة في أصول الفكر الإسلامي بميادينه المختلفة.

كذلك تحددت منازل الأفراد طبقا لدرجة دورانهم في فلك "أفكار" الرسالة الإسلامية. ففي المجتمع النبوي، والراشدي ترقى أشخاص من منازل "رعاة صغار الغنم في شعاب مكة"، و"الخدم في بيوت مترفيها" ليصبحوا "فقهاء الرسالة" ورجال التربية، وقادة الجيوش، وولاة الأقاليم والناطقين الإعلاميين كما حدث لأمثال عبد الله بن مسعود، وزيد بن حارثة، وبلال الحبشي، وسلمان الفارسي، بينما هوت "أشخاص" أشراف رفضوا الدوران في فلك "أفكار" الرسالة إلى مدافن النفايات البشرية كما حدث لأمثال عمرو بن هشام، وأبي بن خلف في بدر، وتراجعت منازل "أشخاص" زعماء تأخروا عن الدوران في فلك الرسالة حتى فتح مكة ليصبحوا أشخاصا عاديين كما حصل لأمثال أبي سفيان.

ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- دائم التحذير من اختلال المعادلة التي أرساها بين رجال العلم، وجمهور الأمة ورجال القوة، ومن خطورة هذا الاختلال في مستقبل الأمة المسلمة من ذلك قوله:

"خذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا صار رشوة في الدين فلا تأخذوه، ولستم بتاركيه، يمنعكم الفقر والحاجة. ألا إن رحى الإسلام دائرة، فدوروا

<<  <   >  >>