للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويجعل من الانحراف والضلال فكرا صائبا، وعملا صالحا وإنجازا حضاريا متقدما، ثم يكرس حياته وجهوده للدعوة إلى هذا الانحراف والضلال وإشاعتهما. ففي معنى قوله تعالى:

{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام: ١٢١] .

يذكر الطبري في تفسره أن الشياطين المشار إليهم في هذه الآية هم شياطين فارس من المجوس، وأن أولياءهم هم المتمردون من مشركي قريش. فقد أرسلت فارس إلى أوليائها من قريش أن جادلوا محمدا وأصحابه، حول أكل الميتة، وكانوا يسمونها قتل الله. فقالوا: ما قتل الله لا تأكلونه وما قتلتم تأكلون؟ وفي رواية قال المشركون للرسول -صلى الله عليه وسلم: أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها؟ فقال: "الله قتلها". قالوا: فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال، وما قتله الله حرام؟ فأنزل الله: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} . وفي رواية أخرى، قالوا: أما قتل الصقر والكلب فتأكلونه، وأما قتل الله فلا تأكلونه؟ فوقع في نفوس بعض المسلمين شيء، فأنزل الله الآية، ونزلت أيضًا آية: {شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: ١١٢-١٢١] ١.

ورواية الطبري عن مناسبة الآية تبين بوضوح إن ظاهرة شياطين الفكر من المستعمرين الذين يثيرون الشبهات حول الإسلام، وظاهرة أوليائهم من العرب -أو العملاء حسب لغة العصر الحديث- الذين يشيعون هذه الشبهات هذه ظاهرة قديمة -حديثة. فالعرب كانوا وما زالوا يتلقون القضايا الفكرية من شياطين الخارج. ففي الماضي كانوا يتلقون المعتقدات والشبهات من فارس والروم، واليوم يتلقونها من الغرب والشرق، ولا عاصم لهم إلا الإسلام.

والحديث النبوي يركز على التحذير من شياطين الإنس. من ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر هل تعوذت بالله من شر شياطين الإنس والجن؟ " قالت قلت: يا رسول الله وهل للإنس من شياطين؟ قال: "نعم شر من شياطين الجن" ٢.


١ الطبري، التفسير، جـ٨، ص١٦، ١٧.
٢ الطبري، نفس المصدر، ص٥.

<<  <   >  >>