وبهذا التصور الذي يقدمه القرآن والحديث يكون هناك شيطان الفكر، وشيطان التربية، وشيطان الثقافة، وشيطان الآداب، وشيطان الفنون، وشيطان الإعلام، وشيطان الإباحية، وشيطان الأزياء. ومن أحب أحدا من هؤلاء الشياطين أو قلده فهو ولي له، وهم أولياء له باعتبار أن لكل هؤلاء اهتمامات مشتركة تعمل في الاتجاه المضاد لصحة الأمة المسلمة، وسلامة عناصرها في الإيمان، والهجرة، والجهاد والرسالة، والإيواء، والنصرة إن كانت قائمة، أو يعمل على إعاقة إخراجها إن كانت في مرحلة التكوين أو النشأة والنمو.
وهكذا تتمركز -ولاية الشيطان- في قلب الاجتماع البشري، وتمثل سلوكا بشريا متخلفا وضارا لا بد من دراسته ومعالجته. ولكن مؤسسات التربية الإسلامية -حين خشيت في عصور الجمود والاستبداد شياطين السياسة والترف من الإنس- انحرفت للغوص في الغيبات بحثا عن شياطين الجن، التي لا ترى ولا يحس لها أثر، وأشغلت تفكير الناس بذلك حتى انتهت بكثير منهم إلى الوسوسة والجنون. لذلك لا بد للتربية الإسلامية أن ترد لمصطلح الشيطان، وولاية الشيطان محتواهما الاجتماعي المتمركز في قلب الاجتماع البشري، ولا بد لها أن تفتح ميادين جديدة في علم النفس للتعرف على عوامل، والمؤثرات التي تنتهي بالإنسان الذكي إلى الشيطنة الفكرية والسياسية، والاقتصادية والأخلاقية والتعرف على مضاعفاتها، وأساليب معالجتها وطرق الوقاية منها. فذلك هو الذي تدعو إليه الضرورات وتتطلبه التحديات، ويركز عليه القرآن الكريم حين يتحدث عن شياطين البشر من القيادات الفكرية، والسياسية وآثارهم المدمرة في الجماهير التي تستجيب لشيطنتهم وتقتفي أعمالهم، من ذلك قوله تعالى:
ولقد نقل الطبري في تفسيره عن ابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهما أن المراد بـ"الشياطين" في هذه الآية كبار اليهود ورءوس الكفر، وأن الآية تشير إلى سلوك المنافقين في المدينة المنورة الذين كانوا يتظاهرون