وقيام الشركات التي هي من الشروط الأساسية للاقتصاد الحديث. ويكون لذلك كله مضاعفات سلبية في أشكال التعامل، وينال من قيم المساواة والعدل في الأمة وتبذر بذور التفاوت الطبقي، والاستغلال الاجتماعي وتدني مستوى التدين والأخلاق العامة.
٤- تجتث القيم القبلية والطائفية، والإقليمية روح الولاء للأمة وتأتي على فضائله وثماره. فالقبلي لا يعرف مفهوم الأمة ولا يستوعبه، وينتهي ولاؤه عند حدود قبيلته، ولذلك تختفي فضائل الإحساس بالمسئولية والصالح العام، وتظهر الأنانية وعدم الإخلاص والاهتمام بالمصالح القبلية المحدودة الموقوتة. والقبلية سرطان قاتل لروح الشورى ومحاسبة الحاكم، ولذلك تفرز الاستبداد والتسلط وترسل إلى قيادة الأمة شيخان قبليا بألقاب وطقوس سياسية تناسب العصر، فيشيع التسلط الفردي والتصرف المطلق في الداخل، والعجز عن مواجهة التحديات في الخارج.
والأمم التي تشيع فيها قيم العصبيات القبلية أو الطائفية تمتلئ بالتناقضات التي تهدد بتفجير الأمة على الدوام. ولذلك يسهل على الأعداء استغلال هذه التناقضاات، والنفاذ إلى الأمة من خلالها، ولعل دول الطوائف في الأندلس خير مثال على ذلك حيث كانت محاور الولاء القبلية، والطائفية من أقوى الأسلحة التي استعملها الإسبان لتدمير الوجود الإسلامي هناك. ومثلها الدول -المدن التي كانت في بلاد الشلام قبيل الغزو الصليبي، والتي عرفت باسم -الأتابكيات- وسهلت نجاح هذا الغزو وتحالفت مع قادته ضد بعضها البعض، ولم تنج بلاد الشام من أخطار هذا الغزو، وتتخلص من الاحتلال إلا بعد القضاء على قيم العصبية القبلية، واختفاء تطبيقاتها السياسية الممثلة بالدول -المدن أو "الأتابكيات" التي مثلتها.
واستشراء مضاعفات المرض في الطور القبلي يفضي إلى مضاعفات أخرى تنقل الأمة إلى طور آخر هو طور -الولاء الأسري.