للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويعجز عن النظر في -آيات الآفاق والأنفس- أي أحداث الاجتماع البشري والكون، وإنما يراها ملونة بتراث مراحل الجمود والآبائية تماما كما ترى العين الفضاء الواسع، والأشياء المتناثرة فيه ملونة بلون النظارة التي تعلو العين. والمرض الثاني، موت الإرادة العازمة، والعجز عن التحرك إلا نحو الحاجات الدنيا المتمثلة في الغذاء والكساء، والجنس دون التطلع إلى الحاجات العليا المتمثلة في التقدير وتحقيق الذات. ولذلك فهو إنسان غير صالح للرسالة بحالته القائمة إلا إذا أعيد تشكيل شخصيته، وقام بنقد ذاتي جسور -أو توبة نصوحة- من آثار التقليد والآبائية والعجز. وهذا ما يوفره التحرر من أسر مجتمع الولاء لـ"الأشياء" والعيش في بيئات "التقطيع".

٢- الابتلاء بالحسنات والسيئات:

وهذه خطوة مكملة لسابقتها. إذ هي إعادة تشكيل لشخصية إنسان ما بعد الأمة المتوفاة من خلال تمريره في سلسلة من الخبرات السارة، والمؤلمة التي تهيؤه لمراجعة أنماط الحياة السابقة التي انتهت به إلى التمزيق، والشتات في الأرض. فالابتلاء هنا شبيه بتسليط النار الشديدة على قطع الحديد التي استشرى فيها الصدأ ثم طرقها وإعادة صقلها. وهكذا الابتلاء هو إعادة صقل بالحرمان، والمصائب ليتحرر إنسان ما بعد الأمة المتوفاة من قيود زينة الدنيا، وتعود إليه قابلية حمل الرسالة، ونصرة الحق وتذوق الخير والجمال، ومحاربة الباطل والنفور من الشر والقبح. والمرور في هذه العمليات الابتلائية يؤدي إلى إعادة النظر في الموروثات الثقافية، والاجتماعية وبلورة نموذج "مثل أعلى" جديد، ونظام تربوي جديد، وتنظيم صفوف "شظايا" الأمة، وتنمية قدراتها على تسخير إمكاناتها البشرية، والمادية لإعادة بعث الأمة واستئناف رسالتها.

والنجاح في هاتين الخطوتين -التقطيع والابتلاء- يؤهل الإنسان المبتلى للقيام بعملية "الرجوع" إلى إخراج الأمة المسلمة من جديد، وهو ما يشير إليه جزء الآية القائل: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} .

<<  <   >  >>