للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويحدد الرسول -صلى الله عليه وسلم- زمن هذا الانسحاب وغايته فيقول:

"إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودعك من أمر العامة" ١.

والشح المطاع، والهوى المتبع، وإيثار الدنيا، والإعجاب بالرأي الشخصي -كما مر- كلها إشارات إلى صفات الأمة الميتة. فالشح المطاع دلالة على جفاف "المثل الأعلى"، والهوى المتبع دلالة موت "القدرات العقلية" التي تميز بين "المثل الأعلى" و"المثل السوء"، وإيثار الدنيا دلالة العجز عن حمل "الرسالة" ومتطلباتها في "الإيواء والنصرة"، والإعجاب بالرأي الشخصي دلالة الانغلاق وجفاف "الخبرات الاجتماعية والكونية"، وعدم الاستفادة منها في تسخير سنن الكون لتطوير "وسائل تحقيق المثل الأعلى. والتوقف عن الاشتغال بـ"أمر العامة" عند ظهور المضاعفات المذكورة ضرورة لها أهميتها الكبرى. فهو -أولا- يوفر للمنسحب القيام بـ"توبة" شاملة تمحو آثار المضاعفات السلبية التي ضربت "خاصة نفس" المنسحب طالما نشأ، وترعرع في بيئات الأمة الميتة وتسلم منها موروثاتها الثقافية والاجتماعية، وأنماط التفكير فيها. وثمة أهمية -ثانية- إن الانسحاب عامل أساس في تحقيق عنصري الإخلاص، والإصابة لدى العاملين في ميادين التربية والدعوة والإصلاح. فالعمل في هذه الميادين قبل الانسحاب والعودة يتحول -في الغالب- إلى استثمارات عقائدية، وسياسية هدفها مصلحة الأفراد العاملين في ميادين الإصلاح للوصول إلى الجاه، والمال والنفوذ لأنفسهم أو أسرهم وعشائرهم.


١ الترمذي، السنن، جـ٨، كتاب التفسير، تفسير سورة المائدة "تحقيق عزت عبيد الدعاس" ص٢٢، رقم ٣٠٦٠.
ومثله: سنن أبي داود، جـ٤، كتاب الملاحم.
و: سنن ابن ماجه، كتاب الفتن، جـ٢، ص١٣٣١، رقم ٤٠١٤.

<<  <   >  >>