للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

و"جماهير الأمة" تتمحور حصتها من السنة حول الدروان في فلك "أفكار" الرسالة الإسلامية، وموالاتها ثم الحذر من "الفسق" للدروان في فلك "أشخاص" الأقوياء والطمع بما لديهم من "الأشياء".

وهكذا في جميع أفراد الأمة وجماعاتها حتى تصبح السنة هي الطابع المميز لثقافة الأمة، ونظمها ومؤسساتها وإدارتها وممارساتها، وسائر أشكال شبكة العلاقات الإنسانية فيها. وهذا كله مما يوجه إليه أمثال قوله تعالى:

- {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: ٢٩] .

ولكن فقهاء السلاطين في الماضي، ومشايخ السلطة ومؤسسات التربية التقليدية في الحاضر نقلوا محور السنة من ميدان "الأعمال" إلى ميدان "الأشكال" حيث حصروها فيما لا ينال من هيمنة ذوي النفوذ والمال، وفيما يبرر الشهوات، وينسي التذكير بـ"المسئوليات"، فصارت السنة سنتين: "سنة للأغنياء"، ومحورها أن يتمتع القوي المترف بـ"زينة الله التي أحل لعباده"، وأن يتزوج بأكثر من واحدة مرات ومرات، و"سنة للفقراء"، ومحورها أن يزهد المستضعف المحروم بقوام حياته، وأن يرضى بجوعه ومرضه وتشرده، وأن يصبر على من ظلمه، مكرسا وقته لتطويل لحيته، وحلق رأسه وتقصير ثوبه.

ولكن أخطر التشويهات التي أصابت المصطلحات الإسلامية هو التشويه الذي أصاب مصطلح "الشريعة" التي ينظر المسلمون إلى تطبيقها باعتباره الأمل الوحيد الذي يحقق العدالة الاجتماعية في حياتهم، والحصن الذي يوفر المنعة لهم، والدواء الناجع للقضاء على الفساد بمجتمعاتهم.

إن الأصل في اصطلاح "الشريعة" -كما يطرحه القرآن، والحديث- أنه يتكون من عنصرين رئيسين: القيم والحدود. والقيم مقاييس وموازين تميز العدل من الظلم، والصواب من الخطأ، والحق من الباطل، والفضيلة من

<<  <   >  >>