الإنسان عن فهم ما يجري في بيئته البيتية، والإقليمية المحدودة فيسخره الكون وتتقاذفه الأحداث والأهواء. وقد تنطفئ هذه القدرات العقلية حتى لا يعود الإنسان يعرف من أمره شيئًا.
والإشارة التي وردت في القرآن الكريم إلى القدرات العقلية إنما جاءت بصيغة -الفعل وليس الاسم- وباعتبارها وظيفة من وظائف القلب، وفعل من أفعاله التي تجري داخل الإنسان قبل أن تتحول إلى ممارسات حسية على أعضائه الخارجية:
فالعقل -إذن- إشارة إلى وظيفة، وليس إلى شيء قائم بنفسه، مثله مثل وظائف الفهم والأكل والشرب والهضم، والنوم والقيام والقعود والركض والقفز، وإنه يعتريه نفس الأحوال التي تعتري هذه الوظائف من نشاط وعجز وهكذا.
والإنسان يولد مزودا بهذه القدرات العقلية -كبقية القدرات التي أشرنا إليها- ولكنها تكون في حاجة للتنمية، وإلى تدريب الإنسان على حسب استعمالها ورعايتها. وتتقرر درجات نموها ونشاطها وصحتها ومرضها حسب نوع التربية التي يتلقاها الإنسان، وطبقا لوعي القائمين على تربية هذه القدرات وخبراتهم، وطبقًا للوسائل التي تستعمل لتنميتها واستعمالها، وللبيئة الاجتماعية والثقافية التي تعمل التربية خلالها. ونجاح التربية في هذه المهمة يحقق صفة "الصواب" في العمل التي هي أحد الشرطين الرئيسين لبروز العمل الصالح -المصلح. ولذلك تتسبب التربية الخاطئة، والبيات غير السليمة في إضعاف هذه القدرات أو تحطمها، أو تحيلها إلى معوقات للإنسان وسببا من أسباب تخلفه وشقائه.
والإشارات التي وردت في القرآن تدل على أن القدرات العقلية درجات متفاوتة وأن لكل درجة وظيفتها، وأثرها في سلوك الإنسان، ومواقفه من الخبرات التي يمر بها، وأن هذه القدرات يجب أن تستعمل طبقا لمنهج