وبذلك تبدأ التربية -عند دوركايم- بالمجتمع وتنتهي بالفرد١.
أما الاتجاه الثاني فهو يسير في الخط المعاكس للاتجاه الأول. ورائد هذا الاتجاه هو -كارل روجز Carl Rogers- "١٩٠٢-٠٠٠". وكارل روجرز هذا عالم نفس أمريكي له أثره في ميدان علم النفس والتربية. ولقد قامت نظريته في الأصل لمعالجة الاغتراب alienation الذي تعاني منه مجتمعات الحضارة المعاصرة.
ففي رأي -روجز- أن العلاقات الإنسانية في هذا العصر باردة جافة مجردة من العواطف والإخلاص. ولذلك أصبح الأفراد يعانون من حساسية مفرطة إزاء أحكام الآخرين نحوهم، ويعيشون في حالة من إمكانية السقوط، وحتى يحموا أنفسهم من هذا المصير، فإنهم يتسترون خلف قناعات زائفة تخفي حقيقتهم الأساسية، وتنسيهم حقيقة -الاغتراب- الذي يسم وجودهم، وبسبب هذا الاغتراب يفقد الأفراد القدرة على التحلي بمقيمهم الكامنة فيهم، ويتلبسون القيم التي يفرضها المجتمع عليهم رغم عدم إيمانهم بها في كثير من الأحوال. ولذلك تصبح هذه القيم قاسية، جامدة.
لذلك يجب إتاحة الفرصة للأفرد للعيش في عالم متحرر من ضغوط المجتمع، وليختاروا القيم التي تنبع من داخلهم.
وهكذا يتضح أن الحلم الجميل عند روجرز يمثل الكابوس المخيف عند دوركايم. فروجرز يود تحرير الأفراد من القيود المدمرة التي يفرضها المجتمع بينما يود دوركايم تحرير الأفراد من فوضى الحياة الفردية. فالأخلاق عند دوركايم يفرزها وعي المجتمع وعقلانيته أما عند روجرز فهي تنبع من وجدان الفرد وعواطفه. ولذلك تتركز أهداف التربية -عند رجروز- في رد الأفراد للعيش مع عواطفهم بعيدا عن ضغوط المجتمع، وعلى التربية
١ Rodman B.Webb. Schooling and Society, "New york: Machmilan Publishing co, ١٩٨١", PP. ٢١-٢٥.