أن تهيئ الفرد الأجواء المناسبة لاستعادة ثقته بنفسه، وليكتشف مشاعره الخاصة، وليتحرر من الأقنعة الاجتماعية المصطنعة. وبذلك يتعامل الأفراد مع بعضهم طبقًا لرغباتهم الفطرية المتحررة من القيود التي نسجتها اتجاهات المجتمع وقيوده. أي إن التربية -في نظر روجرز- تبدأ من الفرد وتنتهي بالمجتمع.
أما الاتجاه الثالث فهو يقف في الوسط بين كل من دوركايم، وروجرز ورائد هذا الاتجاه هو -جون ديوي- "١٨٥٩-١٩٥٢".
لقد رأى ديوي أن أبرز خصائص المجتمعات الحديثة هي انفصام العلاقة بين الفرد والمجتمع، وأن بإمكان الفلسفة معالجة هذا النقص. لقد اعتبر ديوي أن ظاهرة الاغتراب مدمرة للمجتميع والفرد سواء. وأن أساس الخطأ في رأي كل من دوركايم وروجرز هو الفصل بين الفرد والمجتمع، ووضع مصلحة كل واحد منهما ضد مصلحة الآخر، وإن أيا منهما لا يحقق وجوده إلا بالتغلب على الآخر. لذلك لم ير ديوي إن وظيفة التربية هي تحقيق هيمنة الأفراد، أو المجتمع وإنما عملها أن تستغل تبادل العلاقة بينهما إلى أقصى حد. والوسيلة لتحقيق هذا الهدف هو -الذكاء الإنساني- وهو يتضمن قوة الملاحظة التي تمكن الفرد من تحديد المشكلات وتحليلها وتقييمها ثم حلها. وهذا يتطلب تعليم الفرد بالخبرة وأن يستغل هذه الخبرة لصنع مستقبله. فبالذكاء يعيد الفرد تقييم المهارات، والعادات والتقاليد الاجتماعية ويقرر النافع منها. والعقل لا ينمو من خلال فرد يطيع المجموع طاعة عمياء، ولا من خلال مجتمع يصب الأفراد في قوالب محددة من السلوك، وإنما ينمو العقل من خلال الحوار وحرية الرأي التي تؤدي إلى إيجاد -العقل الاجتماعي. والعقل الاجتماعي يتمثل في مؤسسة اجتماعية تفكر بمصلحة الجميع وتحسين نوعية الفرد، والجو الذي تنمو فيه هذه المؤسسة هو جو الحرية الديموقراطية. والإنسان ليس فيه ذكاء فطري أو قدرات طبيعية، وإنما هو نتاج المجتمع والبيئة. لذلك كانت التربية هي