للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُمَا لَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا يُتْرَكُ الصَّرِيحُ وَهُوَ قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» (١)

وَقِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ: «مَا تَيَسَّرَ» مَحْمُولٌ عَلَى مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ دَلِيلِ إِيجَابِ الْفَاتِحَةِ (٢)


(١) رواه بهذا اللفظ: الدارقطني في سننه (١٢٢٥) من رواية زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ قال ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ثنا الزُّهْرِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فذكره. وقال إسناده صحيح. ورواه ابن خزيمة (٤٩٠) وعنه ابن حبان (١٧٨٩) من طريق وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، نَا شُعْبَةُ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: فذكره. وهذا اللفظ وهم من الراوي والصحيح في حديث عبادة اللفظ المشهور: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ» كما في الصحيحين صحيح البخاري (٧٥٦) وصحيح مسلم (٣٩٤)؛ والصحيح في حديث أبي هريرة أنه بلفظ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ» كما في صحيح مسلم (٣٩٥). وقد نبه على هذا الحافظ في النكت على كتاب ابن الصلاح (٢/ ٨٠٦ - ٨٠٨) وفي لسان الميزان (٥/ ١٦٠/ ترجمة محمد بن خلاد).
(٢) قال الحافظ (٢/ ٢٤٣): قَوْلُهُ «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن» وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بإيراده عَقِبَ حَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّ الْفَاتِحَةَ إِنَّمَا تَتَحَتَّمُ عَلَى مَنْ يُحْسِنُهَا وَأَنَّ مَنْ لَا يُحْسِنُهَا يَقْرَأُ بِمَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِ وَأَنَّ إِطْلَاقَ الْقِرَاءَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مُقَيَّدٌ بِالْفَاتِحَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن» ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ التَّخْيِيرِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ لِمَنْ أَحْسَنَهَا بِدَلِيلِ حَدِيثِ عُبَادَةَ … وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَوْلُهُ «مَا تيَسّر» مَحْمُولٌ عَلَى الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهَا مُتَيَسِّرَةٌ أَوْ عَلَى مَا زَادَ مِنَ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ أَنْ يَقْرَأَهَا أَوْ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنِ الْفَاتِحَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ مَا تَيَسَّرَ لَا إِجْمَالَ فِيهِ حَتَّى يُبَيَّنَ بِالْفَاتِحَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْفَاتِحَةِ يُنَافِي التَّيْسِيرَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِطْلَاقُ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَأَيْضًا فَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ مُتَيَسِّرَةٌ وَهِيَ أَقْصَرُ مِنَ الْفَاتِحَةِ فَلَمْ يَنْحَصِرِ التَّيْسِيرُ فِي الْفَاتِحَةِ وَأَمَّا الْحَمْلُ عَلَى مَا زَادَ فَمَبْنِيٌّ عَلَى تَسْلِيمِ تَعَيُّنِ الْفَاتِحَةِ وَهِيَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى مَنْ عَجَزَ فَبَعِيدٌ وَالْجَوَابُ الْقَوِيُّ عَنْ هَذَا: أَنَّهُ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ تَفْسِيرُ مَا تَيَسَّرَ بِالْفَاتِحَةِ … وَوَقَعَ فِيهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ «ثُمَّ اقْرَأْ إِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاحْمَدِ اللَّهَ وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ» فَإِذَا جُمِعَ بَيْنَ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ كَانَ تَعَيُّنُ الْفَاتِحَةِ هُوَ الْأَصْلُ لِمَنْ مَعَهُ قُرْآنٌ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَعَلُّمِهَا وَكَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ قَرَأَ «مَا تيَسّر» وَإِلَّا انْتَقَلَ إِلَى الذِّكْرِ وَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ «فَاقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» أَيْ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكتاب وَمَا تيَسّر» … إلخ. قلت: قراءة ما زاد على الفاتحة مستحب ليس بواجب على الصحيح، بل نقل إجماعا، وما ورد مما يدل على خلاف ذلك ليس بصحيح.

<<  <   >  >>