(٢) قال الحافظ (٢/ ٢٤٣): قَوْلُهُ «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن» وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بإيراده عَقِبَ حَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّ الْفَاتِحَةَ إِنَّمَا تَتَحَتَّمُ عَلَى مَنْ يُحْسِنُهَا وَأَنَّ مَنْ لَا يُحْسِنُهَا يَقْرَأُ بِمَا تَيَسَّرَ عَلَيْهِ وَأَنَّ إِطْلَاقَ الْقِرَاءَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مُقَيَّدٌ بِالْفَاتِحَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تيَسّر مَعَك من الْقُرْآن» ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ التَّخْيِيرِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ لِمَنْ أَحْسَنَهَا بِدَلِيلِ حَدِيثِ عُبَادَةَ … وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَوْلُهُ «مَا تيَسّر» مَحْمُولٌ عَلَى الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهَا مُتَيَسِّرَةٌ أَوْ عَلَى مَا زَادَ مِنَ الْفَاتِحَةِ بَعْدَ أَنْ يَقْرَأَهَا أَوْ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنِ الْفَاتِحَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ مَا تَيَسَّرَ لَا إِجْمَالَ فِيهِ حَتَّى يُبَيَّنَ بِالْفَاتِحَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْفَاتِحَةِ يُنَافِي التَّيْسِيرَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِطْلَاقُ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَأَيْضًا فَسُورَةُ الْإِخْلَاصِ مُتَيَسِّرَةٌ وَهِيَ أَقْصَرُ مِنَ الْفَاتِحَةِ فَلَمْ يَنْحَصِرِ التَّيْسِيرُ فِي الْفَاتِحَةِ وَأَمَّا الْحَمْلُ عَلَى مَا زَادَ فَمَبْنِيٌّ عَلَى تَسْلِيمِ تَعَيُّنِ الْفَاتِحَةِ وَهِيَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى مَنْ عَجَزَ فَبَعِيدٌ وَالْجَوَابُ الْقَوِيُّ عَنْ هَذَا: أَنَّهُ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ تَفْسِيرُ مَا تَيَسَّرَ بِالْفَاتِحَةِ … وَوَقَعَ فِيهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ «ثُمَّ اقْرَأْ إِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاحْمَدِ اللَّهَ وَكَبِّرْ وَهَلِّلْ» فَإِذَا جُمِعَ بَيْنَ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ كَانَ تَعَيُّنُ الْفَاتِحَةِ هُوَ الْأَصْلُ لِمَنْ مَعَهُ قُرْآنٌ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَعَلُّمِهَا وَكَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ قَرَأَ «مَا تيَسّر» وَإِلَّا انْتَقَلَ إِلَى الذِّكْرِ وَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ «فَاقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» أَيْ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكتاب وَمَا تيَسّر» … إلخ. قلت: قراءة ما زاد على الفاتحة مستحب ليس بواجب على الصحيح، بل نقل إجماعا، وما ورد مما يدل على خلاف ذلك ليس بصحيح.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute