للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[دلالة حديث المسيء]

• حديث المسيء صلاته من الأحاديث الأصول في باب "تعليم صفة الصلاة المجزئة"، فقد اشتمل على جل أركانها وواجباتها، حتى كثر استدلال أهل العلم به، واشتهر في دواوين السنة، فأخرجه أصحاب الصحاح، والمسانيد، والمعاجم، والأجزاء، وكثر المعتنون بشرحه، وتتبع ألفاظه، ورواياته،

• وقد اشتهر وعرف بينهم بـ (حديث الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ) (١) لأن هذا الصحابي -رضي الله عنه- دخل مسجد المدينة فصلى ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرمقه، فأخف


(١) ويقال أيضا حديث "المسيء في صلاته" وقد عبر بهذ الوصف الحافظ الدارقطني المتوفى عام (٣٨٥ هـ) في كتابه التتبع (ح ٩) فقال: … قصة الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ ا. هـ وتبعه العلماء ممن جاء بعده ولم يوجد من العلماء حسب اطلاعي من أنكر هذه التسمية، لكن وجد في عصرنا من أنكر هذه التسمية أو تحرج من إطلاقها، قال العلامة الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في "فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (٢/ ٨) ": هذه العبارة لم ترد عن الصحابة، فلا أحب أن يعبر بها؛ لأن الإساءة إنما تكون في الغالب عن قصد، وهذا الرجل لم يقصد، وعليه إذا لم تثبت عن الصحابة، فنقول: الأولى أن يعبر فيقال: حديث الجاهل في صلاته؛ لأنه جاهل هذا هو حقيقة الأمر ا. هـ وسمعت تسجيلا للشيخ صالح العصيمي حفظه الله يشدد في هذا ويقول ما ملخصه: هذه التسمية متأخرة وهي مهجورة ثم ذكر نحوا مما قاله الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-. والذي يظهر أنه لا محذور في ذلك والقول بأن فيها إساءة أدب مع الصحابة غير ظاهر، ولا أدل على ذلك من تتابع العلماء على ذلك دون نكير. فليسعنا ما وسعهم. وليس هو من الألفاظ التعبدية التي تحتاج إلى توقيف وكونها لم تعرف في زمن الصحابة بهذا اللفظ لا يدل على كونها خطأ أو سوء أدب بل قد قالوا في وصف الصحابي (إنه لا يتم الصلاة … ) وفي المسند (١٥/ ٤٩٤) رقم (٩٧٩٦) - حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الظُّهْرَ، وَفِي مُؤَخَّرِ الصُّفُوفِ رَجُلٌ، فَأَسَاءَ الصَّلَاةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ نَادَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يَا فُلَانُ، أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ؟ أَلَا تَرَى كَيْفَ تُصَلِّي؟ … » الحديث وهو في صحيح مسلم (٤٢٣/ ١٠٨) بلفظ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: «يَا فُلَانُ، أَلَا تُحْسِنُ صَلَاتَكَ؟ أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّي؟ فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ، إِنِّي وَاللهِ لَأُبْصِرُ مِنْ وَرَائِي كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ» وفي تاريخ واسط (ص: ٤٩) من حديث الْحَكَمِ بْنُ فُضَيْلٍ -وهو ضعيف- عَنْ شَيْبَةَ بْنِ مُسَاوِرٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُرَّةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، أَنَّهُ رَأَى رَجُلا يُصَلِّي فَأَسَاءَ الصَّلاةَ، فَانْفَتَلَ فَقَالَ لَهُ: صَلِّ. فَقَالَ لَهُ: قَدْ صَلَّيْتُ. قَالَ: صَلِّ. قَالَ: قَدْ صَلَّيْتُ. فَأَعَادَ عَلَيْهِ مِرَارًا. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَتُصَلِّيَنَّ. وَاللَّهِ لا تَعْصِي اللَّهَ جِهَارًا. والمقصود أن التعبير بالإساءة له أصل، وليس من باب سوء الأدب والله أعلم.

<<  <   >  >>