للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتفجر الحجر في التيه بالماء، وأشباه ذلك زمن السحر، وكان لعيسى - عليه السلام -: إحياء الموتى، وخلق الطير من الطين، وإبراء الأكمه والأبرص، وأشباه ذلك زمن الطب، وقد تحداهم عليه في موطن بعد موطن؛ على أن يأتوا بسورة من مثله، وتعتبر سورة، وقرأ عليهم: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ٢٣]، ثم قال: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة: ٢٤]، يريد استدلوا بعجزكم على صدقه، واتقوا النار التي وعدكم بها في الآخرة، وقد ادعوا القدرة على ذلك من غير أن يأتوا بشيء، وحكاه الله عنهم، فقال: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال: ٣١]، وقال: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الأنعام: ٩٣].

فلا أتوه بسورة من مثله؛ إن كان ما ادعوه من إمكان ذلك حقا، فخذَّلوا عنه الناس، وفرقوا الأتباع، وشتتوا الجموع، واستراحوا من الحرب المخرجة عن المال والديار، وكفوا أنفسهم بأيسر المؤونة.

ومما يدل على استقرائهم القرآن، وتعجبهم من ألفاظه البارعة، ومعانيه اللطيفة، تشبيههم إياه بالسحر، يقول الله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الأحقاف: ٧].

كما قال الأولون للمسيح حين أتاهم بالآيات المعجزة؛ من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه، هذا سحر مبين، ولهذا قال الله ليثبِّته: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت: ٤٣].

<<  <   >  >>