والعرب تكني بالسحر: عما لطف ودق، واستميلت به القلوب، وبلغت به الحاجة، وعظم به الصغير، وصغر العظيم، ولذلك قالوا:«إن من البيان سحرا»، وقالوا: سحرني فلان بكلامه، أي: خدعني، وما فلان إلا ساحر، ولو كانوا يقدرون على مثله؛ ما شبهوه بالسحر، كالأطباء لو قدروا على مثل آيات المسيح، ما شبهوها بالسحر.
وفي هذا من قولهم نقض لقولهم، لو شئنا لقلنا مثل هذا: إن هذا إلا أساطير الأولين، وقلنا من قوم من أهل الزيغ والإلحاد، أوتوا طرفًا من البلاغة وحظا من البيان، أن يصنعوا شيئًا يقرب منه، مثل سورته، فلما وجدوه مكان النجم من يد المتناول، مالوا إلى السور القصار: كسورة الكوثر، وسورة الفتح، وأشباهها، لوقوع الشبهة على الجهال فيما قل عدد حروفه ولأن العجز إنما يظهر في التأليف والاتصال، فإذا قل التأليف وقعت الشبهة.
ومن قيلهم: ماذا في هذا؟ المطبوعون من العرب التشبيه بالسور القصار، فقال مسيلمة:«ياضفدع نُقِّي، كم تَنُقين، لا الماء تُكدِّرين، ولا الشراب تمنعين»، فلمَّا سمع هذا أبو بكر - رضي الله عنه -، قال:«إنه لكلام لم يخرج من إِلّ».