للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قائم، كما يقال: زائد وزويد، وصائم وصوم، ونائم ونوم، ومثله قولهم لقوم الرجل: نفرة جمع نافر؛ لأنهم ينفرون معه إذا استفزهم، قال امرؤ القيس يذكر راميًا:

فَهْوَ لَا تَنْمي رَمِيّتُهُ … مَا لَهُ لَا عُدَّ مِن نَفَرهْ

يقول: إذا عد قومه لم يعد معهم، أي: أماته الله، قتله الله، هذا وأشباهه مما خرج مخرج الدعاء، ولا يراد به الوقوع.

ومما يدلك على أن القوم هم: الرجال قول زهير:

وَمَا أَدْرِي وَسَوفَ إِخالُ أَدْرِي … أَقَومٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ

يريد: أرجال هم أم نساء.

وقال الله تعالى: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} [الكهف: ١٠١]، والناظر في هذا بغير علم؛ يقول: كيف تكون العيون في غطاء عن الذكر؛ وإنما تكون الأسماع في غطاء عن الذكر؛ وإنما أراد الله: عيون القلوب. يدلك على ذلك قول الناس: عمي قلب فلان، وفلان أعمى القلب؛ إذا كان لا يفهم، والله جل ثناؤه يقول: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٤٦]، يريد: أن عمى العيون لا يضر في الدين؛ ما لم يكن ضارًّا في الدين، ولا مانعًا من الاهتداء، لم يكن عمى، ولما كان عمى القلب ضارًّا في الدين، مانعًا من الاهتداء؛ كان عمى، ولما جاز أن يقال عمي قلبه؛ جاز أن يجعل للقلب عين، إذا كان العمى في العين.

<<  <   >  >>