للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حَرَّرت ما وقع لى من ذلك تحريرًا، ونَمَّقْتُ بُروده رَقْمًا وتَحْبِيرًا. مع فوائد أَضمها إليه، وفرائد أنثرها عليه، لِيَكُنَّ عقدًا ثمينةٌ جواهرُه، وفَلَكًا منيرة زواهره، ولقد وفقت لجمعها في زمن قريب، وأصبح مأهول ربعها مأوىً لكل غريب. وما هذا إلا ببركة هذا البيت العظيم الفخر، وما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. وسميته (الإجابة: لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة).

والله أَسأَلُ أَن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، موصلًا إلى جنان النعيم.

وأهديته إلى بحر علمٍ ثمينٍ جَوْهَرُه، وأُفق فَضْلِ أَضَاءَ شمشُه وقمرُه، وروضِ آدابٍ يانعة ثمارُهُ، ساطعة أزهاره، سيدى (١) قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة (٢) الشافعي، أَدام الله عُلُوَّه، وكَبَتَ عدوه؛ إذ لمذهب الشافعي من ثماره أيُّ روضات، وهو لمحرابه إمام يتلو فيه من معجز القول آيات. قد أظهر عرائس فضله المَجْلُوَّة، وأَبرز نفائس نقله المحبَّرة، وبهر العقول بدقائقه التي بهرت، وزاد المباحث رَوْنَقًا بعبارته التي سحرت الأَلباب وما شعرت، تهدى العلوم إليه، وهو حقيقة أدرى من المهدى بهن وأَعلم. وكنت في إهدائه إلى مقامه كمن يهدى إلى البستان أَزهاره؛ وإلى الفلك شموسه وأَقماره، وإلى البحر جَدْوَلًا، وإلى السيل وشَلًا (٣)، ولكن عرضت هذا المصنف على ملك الكلام؛ بل أمير المؤمنين في الحديث والإمام لأُثَقِّفَه (٤) باطلاعه عليه، والسلام.

والله تعالى يجعل أيامه كلها مواسم، ويُطَرِّزُ التصانيف بفوائده حتى تصير كالثغور البواسم.

* * *


(١) بياض بمقدار كلمة في الأصل.
(٢) هو برهان الدين بن جماعة أبو إسحاق إبراهيم بن الخطيب زين الدين أبي محمد عبد الرحيم، قاضى مصر والشام، من كبار الفقهاء، ولد سنة ٧٢٥ وتوفى سنة ٧٩٠ هـ. (شذرات الذهب لابن العماد ٦/ ٣١١).
(٣) الوَشل: الماء القليل يُتَحلَّب من جبل أو صخرة.
(٤) ثَقَّفَه: سَوَّاه.