للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفصل ٥ - [استدراكها] على عبد الله بن عمر]

(الحديث الأول): أَخرج البخارى ومسلم، واللفظ له، عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها سمعت عائشة - وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول: "إن الميت ليعذب ببكاء الحي" - فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب، ولكنه نسى أو أخطأ، إنما مرَّ رسول الله على يهودية يُبْكَى عليها فقال: "إنهم يبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها" (١).

ورواه مسلم أَيضًا عن هشام بن عروة عن أَبيه نحوه بلفظ: "يرحم الله أبا عبد الرحمن، سمع شيئًا ولم يحفظ، إنما مرت على رسول الله جنازة يهودى وهم يبكون عليه، فقال: "أنتم تبكون وإنه ليعذب" (٢).

واعلم أن تعذيب الميت ببكاء أهله عليه رواه عن النبي جماعة من الصحابة؛ منهم عمر وابن عمر، وأنكرته عليهما عائشة، وحديثها موافق لظاهر القرآن وهو قوله سبحانه: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [سورة النجم: ٣٨] وموافق للأحاديث الآخر في بكاء النبي على جماعة من الموتى، وإقراره على البكاء عليهم. وكان رحمة للعالمين، فمحال أن يفعل ما يكون سببًا لعذابهم أو يقر عليه. وهذا مرجِّحٌ آخر لرواية عائشة، وعائشة جزمت بالوهم.

واللائق لنا في هذا المقام التأويل، وهو حمل الأحاديث المخالفة لها إما على


(١) خ: (١/ ٣٩٧) (٢٣) كتاب الجنائز - (٣٢) باب قول النبي "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه"
عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أنها سمعت عائشة زوج النبي قالت: نحوه. رقم: (١٢٨٩)
م: (٢/ ٦٤٣) (١١) كتاب الجنائز (٩) باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه - عن قتيبة بن سعيد، عن مالك به، ولفظه كما هنا كما نبه المصنف رحمه الله تعالى عليه. رقم: (٢٧/ ٩٣٢)
(٢) م: (٢/ ٦٤٢) في الكتاب والباب السابقين من طريق حماد بن زيد، عن هشام بن عروة به. رقم: (٢٥/ ٩٣١)