ومن مجموع هذه الاستدراكات التي صدرت من السيدة عائشة، ومن غيرها يمكننا أن نقول: إن السنة خرجت من أيدى الصحابة خالية من الأخطاء والأوهام التي كانت تعترى بعض الصحابة وهم يقومون بدور تبليغها، وهم بشر ليسوا بمعصومين.
ومعنى هذا أيضًا أن السيدة عائشة كان عندها هذه المقاييس وطبقتها على ما عندها السنة كلها فما هو صحيح أَقَرَّته، ولو من طريق السكوت عنه، وما كان فيه خطأ - من وجهة نظرها - بينته.
ولا يَظُنَّ ظَانٌّ أن ما أبدته السيدة عائشة من استدراكات كانت غير قابلة للمناقشة، أو جاءت فيها بالقول الفصل، بل كثير منها اجتهادات تقابلها وجهات نظر أخرى تُقِرُّ ما عليه الآخرون، مما استدركته عليهم بحيث لا تتعارض الروايات التي استدركتها مع ما تراه هي صحيحًا، أو تكون هذه الروايات المستدركة منسوخة وصدر ناسخها دون علم بعض الصحابة الذين يروونها بهذا الناسخ، أو يكون هذا وذاك من باب العام والخاص، أو المطلق والمقيد. بحيث يمكن الجمع بين هذه الروايات التي تبدو متعارضة وهى في الحق ليست بمتعارضة. وكلها بحمد الله تعالى على هذا النحو.
وكل هذا قد فَصَّلَته دراسة يتواكب خروجها مع هذا التحقيق وهى "توثيق السيدة عائشة للسنة" وقد أحلنا عليها، وبينا مواضع التفصيل في القضايا التي تناولها هذا الكتاب بالإيجاز.
وهذا الكتاب يؤكد من طَرْفٍ غير خفى أن الصحابة لم يكونوا يكذبون على رسول الله ﷺ. فما كان هناك استدراك اتُّهِمَ فيه أحد الصحابة أنه كذب على رسول الله ﷺ؛ بل بادرت السيدة عائشة بنفى الكذب في بعض الاستدراكات فقالت:"إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ولا مكذبين، ولكنَّ السمعَ يُخطئ".
ولكن المفيد غاية الفائدة - كما قلنا - أن السيدة عائشة، بهذه الاستدراكات، قد أرست قواعد في النقد الخارجي والداخلي للسنة كانت فيما بعد أدوات لتوثيق السنة، وإبعاد التحريف والزيف والخطأ عنها.