للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَمَن فَعَلَ مَا لَيْسَ بِوَاجِب وَلَا مُسْتَحَبٍّ عَلَى أَنَّهُ مِن جِنْسِ الْوَاجِبِ أَو الْمُسْتَحَبِّ فَهُوَ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ، وَفِعْلُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَرَامٌ بِلَا ريبٍ. [١١/ ٦٢٠ - ٦٣٥]

٨١٣ - مَن اتَّبَعَ الظُّنُونَ وَالْأَهْوَاءَ مُعْتَقِدًا أَنَّهَا عَقْلِيَّاتٌ وَذَوْقِيَّات فَهُوَ مِمَن قَالَ اللهُ فِيهِ: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (٢٣)} [النجم: ٢٣].

وَإِنَّمَا يَفْصِلُ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا تَنَازَعُوا فِيهِ الْكِتَابُ الْمُنَزَّلُ مِن السَّمَاءِ، وَالرَّسُولُ الْمُؤَيَّدُ بِالْأَنْبَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤)} [الأحقاف: ٤]. [١٢/ ٤٦٥]

٨١٤ - إنَّ السَّلَفَ كَانَ اعْتِصَامُهُم بِالْقُرْآنِ وَالْإِيمَانِ، فَلَمَّا حَدَثَ فِي الْأُمَّةِ مَا حَدَثَ مِن التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ صَارَ أَهْلُ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ شِيَعًا، صَارَ هَؤُلَاءِ عُمْدَتُهُم فِي الْبَاطِنِ لَيْسَتْ عَلَى الْقُرْآنِ وَالْإِيمَانِ، وَلَكِنْ عَلَى أُصُولٍ ابْتَدَعَهَا شُيُوخُهُمْ، عَلَيْهَا يَعْتَمِدُونَ فِي التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ وَالْإِيمَانِ بِالرَّسُولِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ مَا ظَنُّوا أَنَّهُ يُوَافِقُهَا مِن الْقُرْآنِ احْتَجُّوا بِهِ، وَمَا خَالَفَهَا تَأَوَّلُوهُ (١)؛ فَلِهَذَا تَجِدُهُم إذَا احْتَجُّوا بِالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ لَمْ يَعْتَنُوا بِتَحْرِيرِ دَلَالَتِهِمَا، وَلَمْ يَسْتَقْصُوا مَا فِي الْقُرْآنِ مِن ذَلِكَ الْمَعْنَى (٢)؛ إذ كَانَ اعْتِمَادهُم فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ (٣)، وَالْآيَاتُ الَّتِي تُخَالِفُهُم يَشْرَعُونَ فِي تَأْوِيلِهَا شُرُوعَ مَن قَصَدَ رَدَّهَا كَيْفَ أَمْكَنَ؛ لَيْسَ مَقْصُودُهُ أَنْ يُفْهَمَ مُرَادَ الرَّسُولِ؛ بَل أَنْ يَدْفَعَ مُنَازِعَهُ عَن الِاحْتِجَاجِ بِهَا.

وَلِهَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْهُم - كَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ وَمَن تَبِعَهُ كالرَّازِي والآمدي


(١) وهذا حال جميع أهل البدع والأهواء، فالحذر من هذا المزلق الخطير، ولْيقدِّم المسلم دلالة الكتاب والسُّنَّة على كلِّ قولٍ يُخالفهما.
(٢) يعني: يستشهدون بالكتاب والسُّنَّة إجمالًا، دون النظر فيهما بدقة، واستنباط الأحكام منهما، بل يُعرجون عليهما بعجلة.
(٣) وهو اعتمادهم على ما يهوونه، أو ما هو مُسلَّمٌ عندهم من كلام شيوخهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>