الخامس: أن يعلم أنه ما انتقم أحد قَطُّ لنفسه إلّا أورثَه ذلك ذُلًّا يجده في نفسه، فإذا عَفا أعزَّه الله تعالى.
السادس -وهي من أعظم الفوائد-: أن يَشهدَ أن الجزاء من جنس العمل، وأنه نفسُه ظالمٌ مذنب، وأنّ من عَفا عن الناس عَفَا الله عنه، ومن غَفَر لهم غَفَر الله له.
السابع: أن يَعلم أنه إذا اشتغلتْ نفسُه بالانتقام وطلب المقابلة ضاعَ عليه زمانُه، وتفرَّقَ عليه قلبُه، وفاتَه من مصالحِه ما لا يُمَكِن استدراكُهُ، ولعلّ هذا أعظم عليه من المصيبة التي نالتْه من جهتهم، فإذا عفا وصَفحَ فَرغَ قلبُه وجسمُه لمصالحه التي هي أهمُّ عنده من الانتقام.
الثامن: أن انتقامَه واستيفاءَه وانتصارَه لنفسِه، وانتصارَه لها، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما انتقمَ لنفسِه قَطُّ، فإذا كان هذا خيرَ خلق الله وأكرمَهم على الله لم يَنتقِمْ لنفسِه، مع أن أَذَاه أَذَى الله، ويتعلّقُ به حقوق الدين، ونفسه أشرف الأنفُس وأزكاها وأبرُّها، وأبعدُها من كلّ خُلُقٍ مذمومٍ، وأحقُّها بكل خُلُقٍ جميل، ومع هذا فلم يكن يَنتقِم لها، فكيف يَنتقِمُ أحدنا لنفسِه التي هو أعلم بها وبما فيها من الشرور والعيوب؛ بل الرجل العارف لا تُساوِي نفسُه عنده أن ينتقم لها، ولا قدرَ لها عنده يُوجِبُ عليه انتصارَه لها. [المجموعة العليّة ١/ ٣٤ - ٤٨]
* * *
[كيف تواجه العوارض والمحن؟]
٩٨٥ - العوارض والمحن هي كالحر والبرد؛ فإذا علم العبد أنه لا بد
منهما لم يغب لورودهما، ولم يغتم لذلك، ولم يحزن. [المستدرك ١/ ١٤٥]