للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَقَوْلِهِ: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: ١٣]، وَنَظِيرُ هَذَا أَيْضًا قَوْلُهُ. {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: ٥٣].

فَإِذَا كَانَت الْمُسَخَّرَاتُ وَالنِّعَمُ مِن اللهِ وَلَمْ تَكُنْ بَعْضَ ذَاتِهِ بَل مِنْهُ صَدَرَتْ: لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمَسِيحِ: "رُوحٌ مِنْهُ" أَنَّهَا بَعْضُ ذَاتِ اللهِ. [٤/ ٢١٦ - ٢٢٩]

* * *

(الْجَانّ مُخَاطَبُونَ بِفرُوعِ الْإِسْلَامِ، مع فروق في الحدّ بينهم وبين الإنس)

٣٨٦ - لَا ريبَ أَنَّهُم [أي: الْجَانّ] مَأْمُورُونَ بِأَعْمَالٍ زَائِدَةٍ عَلَى التَّصْدِيقِ، وَمَنْهِيُّونَ عَن أَعْمَالٍ غَيْرِ التَّكْذِيبِ، فَهُم مَأْمُورُونَ بِالْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ بِحَسْبِهِمْ؛ فَإِنَّهُم لَيْسُوا مُمَاثِلِي الْإِنْسِ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ، فَلَا يَكُونُ مَا أُمِرُوا بِهِ وَنُهُوا عَنْهُ مُسَاوِيًا لِمَا عَلَى الْإِنْسِ فِي الْحَدِّ، لَكِنَّهُم مُشَارِكُونَ الْإِنْسَ فِي جِنْسِ التَّكْلِيفِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ.

وَهَذَا مَا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ نِزَاعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.

وَكَذَلِكَ لَمْ يَتَنَازَعُوا أَنَّ أَهْلَ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ مِنْهُم يَسْتَحِقُّونَ لِعَذَابِ النَّارِ كَمَا يَدْخلُهَا مِن الْآدَمِيِّينَ.

لَكِنْ تَنَازَعُوا فِي أَهْلِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِن أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: إلَى أَنَّهُم يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ.

وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْهُم أَبُو حَنِيفَةَ -فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ- إلَى أَنَّ الْمُطِيعِينَ مِنْهُم يَصِيرُونَ تُرَابًا كَالْبَهَائِمِ، وَيكُونُ ثَوَابُهُم النَّجَاةَ مِن النَّارِ.

وَأَمَّا التَّكْلِيفُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ: فَدَلَائِلُهُ كَثِيرَةٌ؛ مِثْلُ مَا فِي "مُسْلِمٍ" (١) عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أتانِي دَاعِي الْجِنِّ،


(١) (٤٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>