مِثْل أَنْ يُقَالَ: لَو كَانَت الْأُضْحِيَّةُ أَو الْوِتْرُ وَاجِبًا لَنَصَبَ الشَّرْعُ عَلَيْهِ دَلِيلًا شَرْعِيًّا، إذ وُجُوبُ هَذَا لَا يُعْلَمُ بِدُونِ الشَّرْعِ، وَلَا دَلِيلَ فَلَا وُجُوبَ.
فَالْأَوَّلُ يَبْقَى عَلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ الْمَعْلُومِ بِالْعَقْلِ حَتَّى يَثْبُتَ الْمُغَيِّرُ لَهُ، وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ بِعَدَم الدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ الْمُثْبِتِ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ، إذ يَلْزَمُ مِن ثُبُوتِ مِثْل هَذَا الْحُكْمِ ثبُوتُ دَلِيلِهِ السَّمْعِيِّ.
كَمَا يُسْتَدَلُّ بِعَدَمِ النَّقْلِ لَمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ وَمَا تُوجِبُ الشَّرِيعَةُ نَقْلَهُ، وَمَا يُعْلَمُ مِن دِينِ أَهْلِهَا وَعَادَتِهِمْ أَنَّهُم يَنْقُلُونَهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ.
ز- الطَّرِيقُ السَّابعُ: "الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ" وهُوَ أَنْ يَرَى الْمُجْتَهِدُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ يَجْلِبُ مَنْفَعَة رَاجِحَةً؛ وَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ مَا يَنْفِيه؛ فَهَذِهِ الطَّرِيقُ فِيهَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ فَالْفُقَهَاءُ يُسَمُّونَهَا "الْمَصَالِحَ الْمُرْسَلَةَ" ومِنْهُم مَن يُسَمِّيهَا الرَّأيَ وَبَعْضُهُم يُقَرِّبُ إلَيْهَا الِاسْتِحْسَانَ وَقَرِيبٌ مِنْهَا ذَوْقُ الصُّوفِيَّةِ وَوَجْدُهُم وَإِلْهَامَاتُهُمْ.
وَالْقَوْلُ بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ يُشَرّعُ مِن الدّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ غَالِبًا.
وَهِيَ تُشْبِهُ مِن بَعْضِ الْوُجُوهِ مَسْأَلَةَ الِاسْتِحْسَانِ وَالتَّحْسِينِ الْعَقْلِيِّ وَالرَّأْيِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَإِنَّ الِاسْتِحْسَانَ طَلَبُ الْحُسْنِ وَالْأَحْسَنِ؛ كَالِاسْتِخْرَاجِ، وَهُوَ رُؤية الشَّيْءِ حُسْنًا، كَمَا أَنَّ الِاسْتِقْبَاحَ رُويَتُهُ قَبِيحًا، وَالْحُسْنُ هُوَ الْمَصْلَحَةُ، فَالِاسْتِحْسَانُ وَالِاسْتِصْلَاحُ مُتَقَارِبَانِ، وَالتَّحْسِينُ الْعَقْلِيُّ قَوْلٌ بِأَنَّ الْعَقْلَ يُدْرِكُ الْحَسَنَ، لَكِنْ بَيْنَ هَذِهِ فُرُوقٌ، وَالْقَوْلُ الْجَامِعُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ لَا تُهْمِلُ مَصْلَحَة قَطُّ؛ بَل اللهُ تَعَالَى قَد أَكْمَلَ لَنَا الدّينَ، وَأَتَمَّ النِّعْمَةَ، فَمَا مِن شَيءٍ يُقَرِّبُ إلَى الْجَنَّةِ إلَّا وَقَد حَدَّثنَا بِهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَتَرَكَنَا عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلِهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدَهُ إلَّا هَالِكٌ.
لَكِنْ مَا اعْتَقَدَهُ الْعَقْلُ مَصْلَحَةً وإِن كَانَ الشَّرْعُ لَمْ يَرِدْ بِهِ فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ لَهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute