فَحَرَّمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ شَيْئًا وَيُقْرِضُهُ مَعَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ يُحَابِيهِ فِي الْبَيْعِ لِأَجْلِ الْقَرْضِ حَتَّى يَنْفَعَهُ، فَهُوَ رِبًا.
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَغَيْرُهَا تُبَيِّنُ أَنَّ مَا تَوَاطَأَ عَلَيْهِ الرَّجُلَانِ بِمَا يَقْصِدَانِ بِهِ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِنْهَا إلَى أَجَلٍ: فَإِنَّهُ رِبًا، سَوَاءٌ كَانَ يَبِيعُ ثُمَّ يَبْتَاعُ، أَو يَبِيعُ وَيُقْرِضُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. [٢٩/ ٤٣٢، ٣٠/ ٣٥ - ٣٦]
* * *
[العقود]
٣٥٩٦ - تَنَازَعُوا فِي عُقُودِ السَّكْرَانِ؛ كَطَلَاقِهِ، وَفي أَفْعَالِهِ الْمُحَرَّمَةِ؛ كَالْقَتْلِ وَالزنى هَل يُجْرَى مَجْرَى الْعَاقِلِ، أَو مَجْرَى الْمَجْنُونِ؟.
اَلَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ النُّصُوصُ وَالْأصُولُ وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ: أَنَّ أَقْوَالَهُ هَدَرٌ- كَالْمَجْنونِ- لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ وَلَا غَيْرُهُ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَد قَالَ: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣]، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ، وَالْقَلْبُ هوَ الْمَلِكُ الَّذِي تَصْدُرُ الْأقْوَالُ وَالْأَفْعَالُ عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ لَمْ يَكُن ذَلِكَ صَادِرًا عَن الْقَلْبِ؛ بَل يُجْرِي مَجْرَى اللَّغْوِ، وَالشَّارعُ لَمْ يُرَتِّبْ الْمُؤَاخَذَةَ إلَّا عَلَى مَا يَكْسِبُهُ الْقَلْبُ مِن الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ، كَمَا قَالَ: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٢٢٥]، وَلَمْ يُؤَاخِذْ عَلَى أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْقَلْبُ وَلَمْ يَتَعَمَّدْهَا، وَكَذَلِكَ مَا يُحَدِّثُ بِهِ الْمَرْءُ نَفْسَهُ لَمْ يُؤَاخَذْ مِنْهُ إلَّا بِمَا قَالَهُ أَو فَعَلَهُ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ: فَإِنْ كَانَ مُخْتَارًا قَاصِدًا لِمَا يَقُولُهُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ، وَإِن كَانَ مُكْرَهًا فَإِنْ أكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَقْوَالُهُ كُلُّهَا لَغْوٌ، مِثْلُ كُفْرِهِ وَإِيمَانِهِ وَطَلَاقِهِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ.
وَأَمَّا ثُبُوتُ بَعْضِ الْأحْكَامِ كَضَمَانِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ إذَا أَتْلَفَهَا مَجْنُونٌ أَو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute