فَهَذَا فِيهِ أَنَّ النَّفْسَ تَبْلُغُ الْحُلْقومَ، وَأَنَّهُم لَا يُمْكِنُهُم رَجْعُهَا، وَبَيَّنَ حَالَ الْمُقَرَّبِينَ وَأَصْحَابِ الْيَمِينِ وَالْمُكَذِّبِينَ حِينَئِذٍ.
وَفِي سُورَةِ الْقِيَامَةِ: ذَكَرَ أَيْضًا الْقِيَامَتَيْنِ فَقَالَ: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (١)} [القيامة: ١]، ثُمَّ قَالَ: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢)} [القيامة: ٢]، وَهِيَ نَفْسُ الْإِنْسَانِ.
وَقَد قِيلَ: إنَّ النَّفْسَ تَكُونُ لَوَّامَةً وَغَيْرَ لَوَّامَةٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَل نَفْسُ كُلِّ إنْسَانٍ لَوَّامَةٌ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَشَرٌ إلَّا يَلُومُ نَفْسَهُ وَيَنْدَمُ إمَّا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا فِي الْآخِرَةِ، فَهَذَا إثْبَاتُ النَّفْسِ.
ثُمَّ ذَكَرَ مَعَادَ الْبَدَنِ فَقَالَ: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (٣) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (٤) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (٥) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (٦)} [القيامة: ٣ - ٦].
وَوَصَفَ حَالَ الْقِيَامَةِ إلَى قَوْلِهِ: {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (٢٥)} [القيامة: ٢٥].
ثُمَّ ذَكَرَ الْمَوْتَ فَقَالَ: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (٢٦)} [القيامة: ٢٦]، وَهَذَا إثْبَاتٌ لِلنَّفْسِ وَأَنَّهَا تَبْلُغُ التَّرَاقِيَ كَمَا قَالَ هُنَاكَ: {بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} وَالتَّرَاقِي مُتَّصِلَةٌ بِالْحُلْقُومِ.
ثُمَّ قَالَ {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (٢٧)} [القيامة:٢٧] يَرْقِيهَا، وقَيلَ: مَن صَاعِدٌ يَصْعَدُ بِهَا إِلَى الله؟ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ هَذَا قَبْلَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ قَالَ: {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (٢٨)} [القيامة:٢٨] فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُم يَرْجُونَهُ وَيَطْلُبُونَ لَهُ رَاقِيًا يَرْقِيهِ. [٤/ ٢٦٢ - ٢٦٥]
* * *
(المقصود باليقين في قوله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)})
٣٩٦ - قَوْلُهُ: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [ق: ١٩]؛ أَيْ: جَاءَت بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ مِن ثَوَابٍ وَعِقَابٍ، وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ.
لَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهَا جَاءَت بِالْحَقِّ الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ؛ فَإِنَّ هَذَا مَشْهُورٌ لَمْ يُنَازَعْ فِيهِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ الْمَوْتَ بَاطِلٌ حَتَّى يُقَالَ: جَاءَت بِالْحَقِّ.