للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَلَيْسَ لَهُم أَنْ يُوَفُّوهَا إلَّا بِالسِّعْرِ الْوَاقِعِ كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ لَمَّا قَالَ لَهُ: إنَّا نَبِيعُ بِالذَّهَبِ وَنَقْتَضِي الْوَرِقَ وَنَبِيعُ بِالْوَرِقِ وَنَقْتَضِي الذَّهَبَ، فَقَالَ: "لَا بَأْسَ بِهِ بِسِعْرِ يَوْمِهِ إذَا افْتَرَقْتُمَا وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا شَيْءٌ" (١).

فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يُوَفِّيَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِن قِيمَتِهِ: كَانَ كَالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَ عَنْهُ أَكثَرَ مِنْهُ مِن جِنْسِهِ، بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ مِن غَيْرِ شَرْطِ (٢). [٢٩/ ٤٦٧ - ٤٦٨]

* * *

(حكم السُّفْتَجَةَ)

٣٦٤٦ - الشَّارعُ لَا يَنْهَى عَن الْمَصَالِحِ الرَّاجِحَةِ وُيوجِبُ الْمَضَرَّةَ الْمَرْجُوحَةَ، كَمَا قَد عُرِفَ ذَلِكَ مِن أُصُولِ الشَّرْعِ.

وَهَذَا كَمَا أَنَّ مَن أَخَذَ "السّفْتَجَةَ" (٣) مِن الْمُقْرِضِ، وَهُوَ أَنْ يُقْرِضَهُ دَرَاهِمَ يَسْتَوْفِيهَا مِنْة فِي بَلَدٍ آخَرَ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِضُ غَرَضُهُ حَمْلَ دَرَاهِمَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَالْمُقْتَرِضُ لَهُ دَرَاهِم فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى دَرَاهِمَ فِي بَلَدِ الْمُقْرِضِ، فَيَقْتَرِضُ مِنْهُ فِي بَلَدٍ دَرَاهِمَ الْمُقْرِضِ، وَيَكْتُبُ لَهُ سُفْتَجَةً - أَيْ: وَرَقَةً - إلَى بَلَدِ دَرَاهِمِ الْمُقْتَرِضِ، فَهَذَا يَجُوزُ فِي أصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ.

وَقِيلَ: يُنْهَى عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَالْقَرْضُ إذَا جَرَّ مَنْفَعَةً كَانَ رِبًا، وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ؛ لِأنَّ الْمُقْتَرِضَ رَأَى النَّفْعَ بِأَمْنِ خَطَرِ الطَّرِيقِ إلَى نَقْلِ دَرَاهِمِهِ إلَى بَلَدِ دَرَاهِمِ الْمُقْتَرِضِ، فَكِلَاهُمَا مُنْتَفِعٌ بِهَذَا الِاقْتِرَاضِ.

وَالشَّارعُ لَا يَنْهَى عَمَّا يَنْفَعُ النَّاسَ وَيُصْلِحُهُم وَيَحْتَاجُونَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَنْهَى عَمَّا يَضُرُّهُم وَيُفْسِدُهُمْ، وَقَد اغْنَاهُم اللهُ عَنْهُ. [٢٩/ ٤٥٥ - ٤٥٦]

* * *


(١) رواه أبو داود (٣٣٥٤)، والنسائي (٤٥٨٢)، وأحمد (٦٢٣٩)، وضعَّفه الألباني في ضعيف أبي داود.
(٢) فلو زاده أكثر من حقه دون شرط جاز، كما في القرض.
(٣) قال في القاموس المحيط (١/ ١٩٣): السُّفْتَجَةُ: أنْ يُعْطِيَ مالًا لآخَرَ، وللآخرِ مالٌ في بَلَدِ المُعْطي، فَيُوَفِّيَهُ إيَّاهُ ثَمَّ، فَيَسْتَفِيدُ أمْنَ الطَّريقِ، وفِعْلُهُ: السُّفْتَجَةُ، بالفتح.

<<  <  ج: ص:  >  >>