وَإِن كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: فَشِرَاؤُهُ حَلَالٌ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَلَيْسَ مِن الشُّبُهَاتِ؛ فَإِنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِن الْكُفَّارِ مَا قَبَضُوا بِعُقُودٍ يَعْتَقِدُونَ جَوَازَهَا -وَإِن كَانَت مُحَرَّمَةً فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ- فَلِأَنْ يَجُوزَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِن الْمُسْلِمِ مَا قَبَضَهُ بِعَقْدِ يَعْتَقِدُ جَوَازَهُ -وَإِن كُنَّا نَرَاهُ مُحَرَّمًا- بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى؛ فَإِنَّ الْكَافِرَ تَأْوِيلُهُ الْمُخَالِفُ لِدِينِ الْإِسْلَامِ بَاطِلٌ قَطْعًا بِخِلَافِ تَأْوِيلِ الْمُسْلِمِ.
وَلِهَذَا إذَا أَسْلَمُوا وَتَحَاكَمُوا إلَيْنَا وَقَد قَبَضُوا أَمْوَالًا بِعُقُودٍ يَعْتَقِدُونَ جَوَازَهَا: كَالرِّبَا وَثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِم تِلْكَ الْأَمْوَالُ، كَمَا لَا تَحْرُمُ مُعَامَلَتُهُم فِيهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٨]، وَلَمْ يَحرمْ مَا قَبَضُوهُ.
وَهَكَذَا مَن كَانَ قَد عَامَلَ مُعَامَلَاتٍ رِبَوِيَّةً يَعْتَقِدُ جَوَازَهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ، وَكَانَت مِن الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي تَنَازَعَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ: فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا قَبَضَهُ بِتِلْكَ الْمُعَامَلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ. [٢٩/ ٢٦٤ - ٢٦٧]
* * *
(حكم المال الحلال الْمُختلط بالحرام؟ وحكم مُعاملتهم وأكل طعامهم؟)
٤٠٠٩ - مَا قَبَضَهُ الْمُلُوكُ ظُلْمًا مَحْضًا: إذَا اخْتَلَطَ بِمَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ الْمَجْهُولَ كَالْمَعْدُومِ، فَمَا عُرِفَ أَنَّهُ قُبِضَ ظُلْمًا وَلَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهُ: صُرِفَ فِي الْمَصَالِحِ.
وَمَا قُبِضَ مِن بَيْتِ الْمَالِ الْمُخْتَلطِ حَلَالُهُ بِحَرَامِهِ: لَمْ يُحْكَمْ بِأَنَّهُ حَرَامٌ؛ فَإِنَّ الِاخْتِلَاطَ إذَا لَمْ يَتَمَيَّز الْمَالُ يَجْرِي مَجْرَى الْإِتْلَافِ، وَصَاحِبُهُ يَسْتَحِقُّ عِوَضَهُ مِن بَيْتِ الْمَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute