وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤)} [الأعراف: ٢٠٤]، وَعَلَى أَهْلِهِ أَثْنَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: ١٧، ١٨]، وَقَالَ فِي الآيَةِ الأخْرَى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (٦٨)} [المؤمنون: ٦٨]، فَالْقَوْل الَّذِي أُمِرُوا بِتَدَبرِهِ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي أُمِرُوا بِاسْتِمَاعِهِ. [١١/ ٥٥٧ - ٥٥٨]
* * *
(مَن قَالَ: اللَّفْظ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهوَ جهمي، وَمَن قَالَ: إنَّه غَيْرُ مَخْلوقٍ فَهوَ مُبْتَدِعٌ)
١٣٢٩ - هَذَا الْقُرْآنُ هُوَ كَلَامُ اللهِ، وَهُوَ مُثْبَت فِي الْمَصَاحِفِ، وَهُوَ كَلَامُ اللهِ مُبَلَّغا عَنْهُ مَسْمُوعًا مِن الْقُرَّاءِ، لَيْسَ هُوَ مَسْمُوعًا مِنْهُ.
فَمَن عَرَفَ مَا بَيْنَ الْحَالَيْنِ مِن الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ، وَالِاخْتِلَافِ وَالِاتِّفَاقِ: زَالَتْ عَنْهُ الشُّبْهَةُ الَّتِي تُصِيبُ كَثِيرًا مِن النَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ.
فَإِنَّ طَائِفَةً قَالَتْ: هَذَا الْمَسْمُوعُ كَلَامُ اللهِ، وَالْمَسْمُوعُ صَوْتُ الْعَبْدِ، وَصَوْتُهُ مَخْلُوقٌ، فَكَلَامُ اللهِ مَخْلُوق، وَهَذَا جَهْل، فَإِنَّهُ مَسْمُوع مِن الْمُبَلّغ، وَلَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ صَوْتُ الْمُبَلِّغِ مَخْلُوقًا أَنْ يَكُونَ نَفْسُ الْكَلَامِ مَخْلُوقا.
وَقَالَتْ طَائِفَة: هَذَا الْمَسْمُوعُ صَوْتُ الْعَبْدِ وَهُوَ مَخْلُوق، وَالْقُرْآنُ لَيْسَ بِمَخْلُوقِ، فَلَا يَكُونُ هَذَا الْمَسْمُوعُ كَلَامَ اللهِ وَهَذَا جَهْل، فَإِنَّ الْمَخْلُوقَ هُوَ الصَّوْتُ لَا نَفْسُ الْكَلَامِ الَّذِي يُسْمَعُ مِن الْمُتَكَلِّمِ بِهِ وَمِن الْمُبَلّغِ عَنْهُ.
وَطَائِفَة قَالَتْ: هذا كَلَامُ اللهِ، وَكَلَامُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ؛ فَيَكُون هَذَا الصَّوْتُ غَيْرَ مَخْلُوقٍ، وَهَذَا جَهْل، فَإِنَّهُ إذَا قِيلَ: هَذَا كَلَامُ اللهِ؛ فَالْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ الْكَلَامُ مِن حَيْثُ هُوَ هُوَ، وَهُوَ الثَّابِتُ إذَا سُمِعَ مِن الله، وَإِذَا سُمِعَ مِن الْمُبَلَّغِ عَنْهُ، وَإِذَا قِيلَ لِلْمَسْمُوعِ: إنَّهُ كَلَامُ اللهِ، فَهُوَ كَلَامُ اللهِ مَسْمُوعًا مِن الْمُبَلِّغِ عَنْهُ، لَا مَسْمُوعًا مِنْهُ، فَهُوَ مَسْمُوعٌ بِوَاسِطَةِ صَوْتِ الْعَبْدِ، وَصَوْتُ الْعَبْدِ مَخْلُوق، وَأَمَّا كَلَامُ اللهِ نَفْسُهُ فَهُوَ غَيْرُ مَخْلوقٍ حَيْثُ مَا تَصَرَّفَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute