١٣١٢ - لَفْظُ "الْكَلَامِ" و"الْكَلِمَةِ" فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، بَل وَفِي لُغَةِ غَيْرِهِمْ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْمُقَيَّدِ، وَهُوَ الْجُمْلَةُ التَّامَّةُ، اسْمِيَّةً كَانَت أَو فِعْلِيَّةً أَو نِدَائِيَّةً إنْ قِيلَ إنَّهَا قِسْمٌ ثَالِثٌ.
فَأَمَّا مُجَرَّدُ الِاسْمِ أَو الْفِعْلِ أَو الْحَرْفِ الَّذِي جَاءَ لِمَعْنَى لَيْسَ بِاسْم وَلَا فِعْلٍ: فَهَذَا لَا يُسَمَّى فِي كَلَامِ الْعَرَب قَطُّ كَلِمَةً، وَإِنَّمَا تَسْمِيَةُ هَذَا كَلِمَةً اصْطِلَاحٌ نَحْوِيٌّ، كَمَا سَمَّوْا بَعْضَ الأَلْفَاظِ فِعْلًا، وَقَسَّمُوهُ إلَى فِعْلٍ مَاضٍ وَمُضَارعٍ وَأَمْرٍ، وَالْعَرَبُ لَمْ تُسَمِّ قَطُّ اللَّفْظَ فِعْلًا، بَل النُّحَاةُ اصْطَلَحُوا عَلَى هَذَا فَسَمَّوْا اللَّفْظَ بِاسْمِ مَدْلُولِهِ، فَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى حُدُوثِ فِعْلٍ فِي زَمَنٍ مَاضٍ سَمَّوْهُ فِعْلًا مَاضِيًا، وَكَذَلِكَ سَائِرُهَا.
وَكَذَلِكَ حَيثُ وُجِدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَل وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ نَظْمِهِ وَنَثْرِهِ لَفْظُ كَلِمَةٍ؛ فَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْمُفِيدُ الَّتِي تُسَمّيهَا النُّحَاةُ جُمْلَةً تَامَّةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (٤) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (٥)} [الكهف: ٤، ٥]. [٧/ ١٠١]
* * *
[الرد على من قسم الكلام إلى حقيقة ومجاز]
مَعْلُومٌ أَنَّ أَوَّلَ مَن عُرِفَ أَنَّهُ جَرَّدَ الْكَلَامَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ هُوَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ لَمْ يُقَسِّم الْكَلَامَ إلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ، بَل لَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِهِ -مَعَ كَثْرَةِ استِدْلَالِهِ وَتَوَسُّعِهِ وَمَعْرِفَتِهِ الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ- أَنَّهُ سَمَّى شَيْئًا مِنْهُ مَجَازًا، وَلَا ذَكَرَ فِي شَيءٍ مِن كُتُبِهِ ذَلِكَ، لَا فِي الرِّسَالَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا.
وَحِينَئِذٍ فَمَن اعْتَقَدَ أَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ الْمَشْهُورِينَ وَغَيْرَهُم مِن أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَعُلَمَاءِ السَّلَفِ قَسَّمُوا الْكَلَامَ إلَى حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ كَمَا فَعَلَهُ طَائِفَة مِن الْمُتَأَخِّرِينَ: كَانَ ذَلِكَ مِن جَهْلِهِ وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِكَلَامِ أَئِمَّةِ الذينِ وَسَلَفِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا قَد يَظُنُّ طَائِفَة أُخْرَى أَنَّ هَذَا مِمَّا أُخِذَ مِن الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ تَوْقِيفًا، وَأَنَّهُم قَالُوا: هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute