للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَنَظِيرُ هَذَا لَفْظُ "الْقَضَاء" فَإِنَّهُ فِي كَلَامِ اللهِ وَكَلَامِ الرَّسُولِ الْمُرَادُ بِهِ إتْمَامُ الْعِبَادَةِ، وَإِن كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: ١٠] وَقَوْلِهِ: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: ٢٠٠].

ثُمَّ اصْطَلَحَ طَائِفَةٌ مِن الْفُقَهَاءِ فَجَعَلُوا لَفْظَ "الْقَضَاءِ" مُخْتَصًّا بِفِعْلِهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا، وَلَفْظَ "الْأَدَاءِ" مُخْتَصًّا بِمَا يُفْعَلُ فِي الْوَقْتِ، وَهَذَا التَّفْرِيقُ لَا يُعْرَفُ قَطُّ فِي كَلَامِ الرَّسُولِ (١)، ثُمَّ يَقُولُونَ: قَد يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الْقَضَاءِ فِي الْأَدَاءِ، فَيَجْعَلُونَ اللُّغَةَ الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَا مِن النَّادِرِ!

وَلهَذَا يَتَنَازَعُونَ فِي مُرَادِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا" (٢) وَفِي لَفْظٍ: "فَأَتِمُّوا" (٣) فَيَظُنُونَ أَنَّ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ خِلَافًا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَل قَوْلُهُ: "فَاقْضُوا" كَقَوْلِهِ: "فَأَتِمُّوا" لَمْ يُرِدْ بِأَحَدِهِمَا الْفِعْلَ بَعْدَ الْوَقْتِ.

ومِن أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْغَلَطِ فِي فَهْمِ كَلَامٍ اللهِ وَرَسُولِهِ: أَنْ يَنْشَأَ الرَّجُلُ عَلَى اصْطِلَاحٍ حَادِثٍ، فَيُرِيدُ أَنْ يُفَسِّرَ كَلَامَ اللّهِ بِذلِكَ الِاصْطِلَاحِ، وَيَحْمِلَهُ عَلَى تِلْكَ اللُّغَةِ الَّتِي اعْتَادَهَا. [١٢/ ١٠٣ - ١٠٧]


(١) وقال الشيخ في موضع آخر: الْفَرْقُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ هُوَ فَرْقٌ اصطِلَاحِيٌّ، لَا أصْلَ لَهُ فِي كَلَامِ اللهِ وَرَسُولهِ؛ فَإِنَ اللهَ تَعَالَى سَمَّى فِعْلَ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا قَضَاءً، كَمَا قَالَ فِي الْجُمُعَةِ: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ}، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} مَعَ أَنَّ هَذَيْنِ يَفْعَلَانِ فِي الْوَقْتِ.
والْقَضَاءُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: هُوَ إكْمَالُ الشَّيءِ وَإِتْمَامُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: ١٢]؛ أَيْ: أَكْمَلَهُنَ وَأَتَمَّهُنَّ. (٢٢/ ٣٧).
(٢) أخرجه بهذا اللفظ ابن حبان في صحيحه (٢٤١٥)، وصحَّحه الألباني في صحيح النسائي (٨٦٠).
وعند مسلم (٦٠٢): "صَلِّ مَا أَدْرَكْتَ، وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ".
(٣) لفظ البخاري (٦٣٦)، ومسلم (٦٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>