للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(أقوال العلماء في إقْعَادِ الْمَيِّتِ في قبره: هل يُقعد بدنُه أو روحُه؟)

٤٦٨ - ثَبَتَ فِي "الصَحِيحَيْنِ" (١) مِن حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنه- عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "إذَا أقعِدَ الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ أُتِيَ ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لَا إلهَ إلا اللهُ، فَدَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: ٢٧] ".

وَالنَّاسُ فِي مِثْل هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

أ - مِنْهُم مَن يُنْكِرُ إقْعَادَ الْمَيِّتِ (٢) مُطْلَقًا؛ لِأنَّهُ قَد أَحَاطَ بِبَدَنِهِ مِن الْحِجَارَةِ وَالتُّرَابِ مَا لَا يُمْكِنُ قُعُودُهُ مَعَهُ وَقَد يَكُونُ فِي صَخْرٍ يُطْبِقُ عَلَيْهِ، وَقَد يُوضَعُ عَلَى بَدَنِهِ مَا يَكْشِفُ فَيُوجَدُ بِحَالِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

وَلهَذَا صَارَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ إنَمَا هُوَ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ، كَمَا يَقُولُهُ ابْنُ مَيْسَرَةَ وَابْنُ حَزْمٍ، وَهَذَا قَوْلٌ مُنْكَرٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.

ب - وَصَارَ آخَرونَ إلَى أَنَّ نَفْسَ الْبَدَنِ يَقْعُدُ عَلَى مَا فَهِمُوهُ مِن النُّصُوصِ.

ج - وَصَارَ آخَرُونَ يَحْتَجُّونَ بِالْقُدْرَةِ، وَبِخَبَرِ الصَّادِقِ، وَلَا يَنْظُرُونَ إلَى مَا يُعْلَمُ بِالْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ، وَقُدْرَةُ اللهِ حَق، وَخَبَرُ الصَّادِقِ حَقٌّ، لَكِنَ الشَّأنَ فِي فَهْمِهِمْ.

وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ النَّائِمَ يَكُونُ نَائِمًا، وَتَقْعُدُ رُوحُهُ، وَتَقُومُ وَتَمْشِي، وَتَذْهَبُ وَتَتَكلَّمُ، وَتَفْعَلُ أَفْعَالًا وَأمُورًا بِبَاطِنِ بَدَنِهِ مَعَ رُوحِهِ، وَيَحْصُلُ لِبَدَنِهِ وَرُوحِهِ بِهَا نَعِيمٌ وَعَذَابٌ، مَعَ أَنَّ جَسَدَهُ مُضْطَجَعٌ، وَعَيْنَيْهِ مُغْمَضَةٌ، وَفَمَهُ مُطْبَقٌ، وَأَعْضَاءَهُ سَاكِنَةٌ، وَقَد يَتَحَرَّكٌ بَدَنُهُ لِقُوَّةِ الْحَرَكَةِ الدَّاخِلَةِ، وَقَد يَقُومُ ويمْشِي وَيَتَكَلَّمُ وَيَصِيحُ


(١) البخاري (١٣٦٩)، ومسلم (٢٨٧١)، واللفظ للبخاري.
(٢) بِبَدَنِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>