وَأَمَّا الْحَوْلُ فَلَمْ يَكُن لَهُ حَدٌّ ظَاهِرٌ فِي السَّمَاءِ، فَكَانَ لَا بُدَّ فِيهِ مِن الْحِسَابِ وَالْعَدَدِ، فَكَانَ عَدَد الشُّهُورِ الْهِلَالِيَّةِ أَظْهَرَ وَأعَمَّ مِن أَنْ يُحْسَبَ بِسَيْرِ الشَّمْسِ، وَتَكُونُ السَّنَةُ مُطَابِقَةً لِلشُّهُورِ؛ وَلأَنَ السِّنِينَ إذَا اجْتَمَعَتْ فَلَا بُدَّ مِن عَدَدِهَا فِي عَادَةِ جَمِيعِ الْأمَمِ؛ إذ لَيْسَ لِلسِّنيْنِ إذَا تَعَدَّدَتْ حَدٌّ سَمَاوِيٌّ يُعْرَفُ بِهِ عَدَدُهَا، فَكَانَ عَدَدُ الشُّهُورِ مُوَافِقًا لِعَدَدِ الْبُرُوجِ، جُعِلَت السَّنَةُ اثْنَي عَشَرَ شَهْرًا بِعَدَدِ الْبُرُوجِ الَّتِي تَكْمُلُ بِدَوْرِ الشَّمْسِ فِيهَا سَنَةً شَمْسِيَّةً، فَإِذَا دَارَ الْقَمَرُ فِيهَا كَمَّلَ دَوْرَتَهُ السَّنَوِيَّةَ، وَبِهَذَا كُلِّهِ يَتَبَيَّن مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: ٥] فَإِنَّ عَدَدَ شُهُورِ السَّنَةِ وَعَدَدَ السَّنَةِ بَعْدَ السَّنَةِ إنَّمَا أَصْلُهُ بِتَقْدِيرِ الْقَمَرِ مَنَازِلَ.
وَكَذَلِكَ مَعْرِفَةُ الْحِسَابِ؛ فَإِنَّ حِسَابَ بَعْضِ الشُّهُورِ لِمَا يَقَعُ فِيهِ مِن الْآجَالِ وَنَحْوِهَا إنَّمَا يَكُون بِالْهِلَالِ.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩].
فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ بِالْهِلَالِ يَكُونُ تَوْقِيتُ الشَّهْرِ وَالسَّنَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يَقُومُ مَقَامَ الْهِلَالِ أَلْبَتَّةَ لِظُهُورِهِ وَظُهُورِ الْعَدَدِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ، وَتيَسُّرِ ذَلِكَ وَعُمُومِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن الْمَصَالِحِ الْخَاليَةِ عَن الْمَفَاسِدِ.
وَمَن عَرَفَ مَا دَخَلَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ وَالصَّابِئِينَ وَالْمَجُوسِ وَغَيْرِهِمْ فِي أَعْيَادِهِمْ وَعِبَادَاتِهِمْ وَتَوَارِيخِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن أُمُورِهِمْ مِن الِاضْطِرَابِ وَالْحَرَجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن الْمَفَاسِدِ: ازْدَادَ شُكْرُهُ عَلَى نِعْمَةِ الْإِسْلَامِ.
فَصْلٌ
لَمَّا ظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَوْدُ الْمَوَاقِيتِ إلَى الْأهِلَّةِ: وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَوَاقِيتُ كلُّهَا مُعَلَّقَةً بِهَا، فَلَا خِلَافَ بَيْن الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَبْدَأ الْحُكْمِ فِي الْهِلَالِ حُسِبَت الشُّهُورُ كُلُّهَا هِلَاليَّةً .. وَإِن كَانَ بَعْضُهَا أَو جَمِيعُهَا نَاقِصًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute