للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

خِلَافٌ حَدِيثٌ، إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخرِينَ مِن الْمُتَفَقِّهَةِ الحادثين بَعْدَ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ زَعَمَ أَنَّهُ إذَا غُمَّ الْهِلَالُ جَازَ لِلْحَاسِب أنْ يَعْمَلَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِالْحِسَابِ، فَإِنْ كَانَ الْحِسَابُ دَلَّ عَلَى الرُّؤْيَةِ صَامَ وَإِلَّا فَلَا.

وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِن كَانَ مُقَيَّدًا بِالْإِغْمَامِ وَمُخْتَصًّا بِالْحَاسِبِ فَهُوَ شَاذٌّ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ.

فَأَمَّا اتِّبَاعُ ذَلِكَ فِي الصَّحْوِ أَو تَعْلِيقُ عُمُومِ الْحُكْمِ الْعَامِّ بِهِ فَمَا قَالَهُ مُسْلِمٌ.

قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ} [يونس: ٥]، فَقَوْلُهُ: {لِتَعْلَمُوا} [يونس: ٥] مُتَعَلِّقٌ -وَاللهُ أَعْلَمُ- بِقَوْلِهِ: {وَقَدَّرَهُ} [يونس: ٥] لَا بـ {جَعَلَ} [يونس: ٥]؛ لِأنَّ كَوْنَ هَذَا ضِيَاءً وَهَذَا نُورًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي مَعْرِفَةِ عَدَدِ السِّنِينَ وَالْحِسَابِ، وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ انْتِقَالُهَا مِن بُرْجٍ إلَى بُرْجٍ، وَلأَنَّ الشَّمْسَ لَمْ يُعَلَّقْ لنا بِهَا حِسَابُ شَهْرٍ وَلَا سَنَةٍ وَإِنَّمَا عُلِّقَ ذَلِكَ بِالْهِلَالِ.

وَذَلِكَ أَنَّ الْهِلَالَ أَمْرٌ مَشْهُودٌ مَرْئِيٌّ بِالْأَبْصَارِ، وَمِن أَصَحِّ الْمَعْلُومَاتِ مَا شُوهِدَ بِالْأَبْصَارِ، وَلهَذَا سَمَّوْهُ هِلَالًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَادَّةَ تَدُلُّ عَلَى الظُّهُورِ وَالْبَيَانِ: إمَّا سَمْعًا وَإِمَّا بَصَرًا، كَمَا يُقَالُ: أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَأَهَلَّ بِالذَّبِيحَةِ لِغَيْرِ اللهِ، إذَا رَفَعَ صَوْتَهُ.

فَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْمَوَاقِيتَ حُدِّدَتْ بِأَمْرِ ظَاهِرٍ بَيِّنٍ يَشْتَرِكُ فِيهِ النَّاسُ، وَلَا يَشْرَكُ الْهِلَالَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، فَإِنَّ اجْتِمَاعَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ الَّذِي هُوَ تَحَاذِيهِمَا الْكَائِنُ قَبْلَ الْهِلَالِ: أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِحِسَابٍ يَنْفَرِدُ بِهِ بَعْضُ الناسِ مَعَ تَعَبٍ وَتَضْيِيعِ زَمَانٍ كَثِيرٍ وَاشْتِغَالٍ عَمَّا يَعْنِي: النَّاسَ وَمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، وَرُبَّمَا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ وَالِاخْتِلَافُ.

فَظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوَاقِيتِ حَدٌّ ظَاهِرٌ عَامُّ الْمَعْرِفَةِ إلَّا الْهِلَالُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>