وَهَذِهِ الْآيَةُ تُوجِبُ رِزْقَ الْمُرْتَضِعِ عَلَى أَبِيهِ لِقَوْلِهِ: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] فَأوْجَبَ نَفَقَتَهُ حَمْلًا وَرَضِيعًا بِوَاسِطَةِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ رِزْقُهُ بِدُونِ رِزْقِ حَامِلِهِ وَمُرْضِعِهِ.
فَسُئِلْت: فَأَيْنَ نَفَقَة الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ بَعْدَ فِطَامِهِ؟
فَقُلْت: دَلَّ عَلَيْهِ النَّصُّ تَنْبِيهًا؛ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ فِي حَالِ اخْتِفَائِهِ وَارْتضَاعِهِ أَوْجَبَ نَفَقَةَ مَن تَحْمِلُهُ وَتُرْضِعُهُ -إذ لَا يُمْكِنُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ إلَّا بِذَلِكَ-: فَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بَعْدَ فِصَالِهِ إذَا كَانَ يُبَاشِرُ الاِرْتزَاقَ بِنَفْسِهِ أَوْلَى وَأَحْرَى.
وَهَذَا مِن حُسْنِ الاِسْتِدْلَالِ.
فَقَد تَضَمَّنَ الْخِطَابُ التَّنْبِيهَ بِأَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَسْكُوتِ أَوْلَى مِنْهُ فِي الْمَنْطُوقِ.
وَتَضَمَّنَ تَعْلِيلَ الْحُكْمِ بِكَوْنِ النَّفَقَةِ إنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَهُ الْوَلَدُ دُونَ الْأُمّ، وَمَن كَانَ الشَّيءُ لَهُ كَانَت نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ؛ وَلذَا سُمِّيَ الْوَلَدُ كَسْبًا فِي قَوْلِهِ: {وَمَا كَسَبَ} [المسد: ٢]، وَفِي قَوْلِهِ: "إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِن كسْبِهِ؛ وَإِنَّ وَلَدَهُ مِن كسْبِه" (١) [٣٤/ ١٠٥ - ١٠٦]
* * *
(عَلَى الْوَلَدِ الْمُوسِرِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَبيهِ وإخْوَتِهِ إذَا كَانُوا عَاجِزِينَ عَن الْكَسْبِ).
٤٥٦٢ - عَلَى الْوَلَدِ الْمُوسِرِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَبِيهِ وَزَوْجَةِ أَبِيهِ وَعَلَى إخْوَتِهِ الصِّغَارِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَانَ عَاقُّا لِأَبِيهِ، قَاطِعًا لِرَحِمِهِ، مُسْتَحِقًّا لِعُقُوبَةِ اللهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
(١) رواه الإمام أحمد (٢٤٠٣٢)، وأبو داود (٣٥٢٨)، وابن ماجة (٢١٣٧) وصححه الألباني.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute