فمَن حَاسَبَ نَفْسَهُ عَلَى مَا يَجْزِمُ بِهِ (١): وَجَدَ أَكْثَرَ النَّاسِ الَّذِينَ يَجْزِمُونَ بِمَا لَا يُجْزَمُ بِهِ إنَّمَا جَزْمُهُم لِنَوْعٍ مِن الْهَوَى؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: ١١٩].
وَلهَذَا تَجِدُ الْيَهُودَ يُصَمِّمُونَ وَيُصِرُّونَ عَلَى بَاطِلِهِمْ؛ لِمَا فِي نُفُوسِهِمْ مِن الْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَالْقَسْوَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن الْأَهْوَاءِ.
وَأَمَّا النَّصَارَى فَأَعْظَمُ ضَلَالًا مِنْهُمْ، وَإِن كَانُوا فِي الْحَادَةِ وَالْأَخْلَاقِ أَقَلَّ مِنْهُم شَرًّا، فَلَيْسُوا جَازِمِينَ بِغَالِبِ ضَلَالِهِمْ.
بَل عِنْدَ الاعْتِبَارِ: تَجِدُ مَن تَرَكَ الْهَوَى مِن الطَّائِفَتَيْنِ وَنَظَرَ نَوْعَ نَظَرٍ تبَيَّنَ لَهُ الْإِسْلَامُ حَقًّا. [٤/ ٢٩ - ٣٠]
***
(نصائح للْمُتَعَلِّمِ والأُسْتَاذِ)
٣٩ - عَلَى الْمُتَعَلِّمِ أَنْ يُحْسِنَ نِيَّتَهُ فِي ذَلِكَ ويَقْصِدَ بِهِ وَجْهَ اللّهِ تَعَالَى.
وَعَلَى الْمُعَلِّمِ أَنْ يَنْصَحَ لِلْمُتَعَلِّمِ وَيَجْتَهِدَ فِي تَعْلِيمِهِ.
وَعَلَى الْمُتَعَلِّمِ أَنْ يَعْرِفَ حُرْمَةَ أُسْتَاذِهِ وَيَشْكُرَ إحْسَانَهُ إلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ مَن لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ اللّهَ، وَلَا يَجْحَدَ حَقَّهُ وَلَا يُنْكِرَ مَعْرُوفَهُ.
وَعَلَى الْمُعَلِّمِينَ أَنْ يَكُونُوا مُتَعَاوِنِينَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.
وَليْسَ لِأَحَدٍ مِن الْمُعَلِّمِينَ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَى الْآخَرِ وَلَا يُؤْذِيَهُ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ بِغَيْرِ حَقٍّ.
وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُعَاقِبَ أَحَدًا عَلَى غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا تَعَدِّي حَدٍّ وَلَا تَضْيِيعِ حَقٍّ بَل لِأَجْلِ هَوَاهُ؛ فَإِنَّ هَذَا مِن الظُّلْمِ الَّذِي حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ.
(١) سواءٌ في الاعتقاد أو في السلوك أو في الأحكام، فلا ينبغي للإنسان أن يجزم بشيء إلا بدليل صحيح يدل على الذي جزم به، حتى يخرج من التقليد والهوى، وكلُّ مقلد ففيه نوعٌ من الهوى، وكلما كثر وعظم التقليد كثر وعظم الهوى في قلبه.