للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَيْسَ كُلُّ مَن يُتْرَكُ بَعْضُ كَلَامِهِ لِخَطَأ أَخْطَاهُ يكفرُ ولا يفسُقُ، بل ولا يَأْثَمُ؛ فإن الله تعالى قال في دُعَاءِ المؤمنين: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦] وفي "الصَّحِيحِ" (١) عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أن اللهَ تَعَالَى قَالَ: قَد فَعَلْت.

وَاتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ مِن عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمُنَازِعِينَ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَاَلَّذِينَ قَالُوا: إنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِم الصَّغَائِرُ وَالْخَطَأُ وَلَا يُقَرُّونَ عَلَى ذَلِكَ ولَمْ يُكَفَّرْ أَحَدٌ مِنْهُم بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ. [٣٥/ ١٠٠ - ١٠١]

ومِن الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَنْعَ مِن تَكْفِيرِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي هَذَا الْبَابِ؛ بَل دَفْعُ التَّكْفِيرِ عَن عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَإِن أَخْطَؤُوا: هُوَ مِن أَحَقِّ الْأَغْرَاضِ الشَّرْعِيَّةِ. [٣٥/ ١٠٤]

* * *

(حكم من كفَّر المجتهد اجتهادًا سائغًا، وحكم من شاق الرسول)

٥٢٤٩ - وَمِثْل هَذَا (٢) يُبَيَّنُ لَهُ الصَّوَابَ، وَأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَكَانَ عَلَيْهِ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِن الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَعَلَيْهِ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، ثُمَّ أَصَرَّ عَلَى مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ وَاتِّبُاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ: فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.

وَكَذَلِكَ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَيْسَ بِكُفْر؛ بَل هُوَ مِمَّا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أنَّهُ قَوْلٌ سَائِغٌ، وَقَائِلُهُ مُجْتَهِدٌ مَأْجُورٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ، سَوَاءٌ أصَابَ أَو أَخْطَأَ، فَإِذَا أَصَرَّ عَلَى تَكْفِيرِ مَن تَبَيَّنَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة وَالْإِجْمَاعِ أَنَّهُ لَا يَكفُرُ، وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ: فَأَصَرَّ عَلَى مُشَاقَّةِ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. [٢٧/ ٢٣٣ - ٢٣٤]


(١) مسلم (١٢٦).
(٢) يعني: من جَعَلَ الْمُطِيعَ للهِ وَرَسُولهِ الَّذِي رَضِيَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَأَنْبِيَاؤُهُ عَمَلَهُ مُجَاهِرًا لَهُمْ بِالْعَدَاوَةِ مُعَانِدًا لَهُمْ، فكفَّر مَنْ حَكَمَ اللهُ وَرَسُولُهُ بِإِيمَانِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>