للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

[كتاب الحدود]

٤٨٥٦ - خَاطَبَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحُدُودِ وَالْحُقُوقِ خِطَابًا مُطْلَقًا كَقَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [المائدة: ٣٨]، وَقَوْلِهِ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: ٢] .. لَكِنْ قَد عُلِمَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالْفِعْلِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَالْعَاجِزُونَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَقَد عُلِمَ أَنَّ هَذَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ.

والْقُدْرَةُ: هِيَ السُّلْطَانُ؛ فَلِهَذَا وَجَبَ إقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى ذِي السُّلْطَانِ وَنُوَّابِهِ.

وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ إمَامٌ وَاحِدٌ، وَالْبَاقُونَ نُوَّابُهُ، فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ الْأُمَّةَ خَرَجَتْ عَن ذَلِكَ لِمَعْصِيَةٍ مِن بَعْضِهَا وَعَجْزٍ مِن الْبَاقِينَ، أَو غَيْرِ ذَلِكَ فَكَانَ لَهَا عِدَّةُ أَئِمَّةٍ: لَكَانَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ إمَامٍ أَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ وَيسْتَوْفِيَ الْحُقُوقَ.

وَكَذَلِكَ لَو فُرِضَ عَجْزُ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ عَن إقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْحُقُوقِ أَو إضَاعَتِهِ لِذَلِكَ: لَكَانَ ذَلِكَ الْفَرْضُ عَلَى الْقَادِرِ عَلَيْهِ.

وَقَوْلُ مَن قَالَ: "لَا يُقِيمُ الْحُدُودَ إلَّا السُّلْطَانُ وَنُوَّابُهُ": إذَا كَانُوا قَادِرِينَ فَاعِلِينَ بِالْعَدْلِ، كَمَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ: الْأَمْرُ إلَى الْحَاكِمِ إنَّمَا هُوَ الْعَادِلُ الْقَادِرُ، فَإِذَا كَانَ مُضَيِّعًا لِأَمْوَالِ الْيَتَامَى أَو عَاجِزًا عَنْهَا: لَمْ يَجِبْ -تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ حِفْظِهَا بِدُونهِ، وَكَذَلِكَ الْأَمِيرُ إذَا كَانَ مُضَيِّعًا لِلْحُدُودِ أَو عَاجِزًا عَنْهَا لَمْ يَجِبْ تَفْوِيضُهَا إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ إقَامَتِهَا بِدُونهِ.

وَالْأَصْلُ أَنَّ هَذ الْوَاجِبَاتِ تُقَامُ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ، فَمَتَى أَمْكَنَ إقَامَتهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>