لَمْ يَتَحَقَّقْ ظُلْمُهُمْ، فَكَيْفَ يَتَوَرَّعُ الْمُسْلِمُ عَن ظُلْمٍ مُحْتَمَلٍ بِارْتكَابِ ظُلْمٍ مُحَقَّقٍ؟ [٢٩/ ٢٧٨ - ٢٨٠]
* * *
(مَعْنَى قَوْلِهِمْ: النَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ)
٤٠١٥ - إنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَسَادُهُ رَاجِحٌ عَلَى صَلَاحِهِ، وَلَا يُشْرَعُ الْتِزَامُ الْفَسَادِ مِمَن يُشْرَعُ لَهُ دَفْعُهُ.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: النَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَانٍ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَجُمْهُورِهِمْ.
والصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَحْتَجُّونَ عَلَى فَسَادِ الْعُقُودِ بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ، كَمَا احْتَجُّوا عَلَى فَسَادِ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ بِالنَّهْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ، وَكَذَلِكَ فَسَادُ عَقْدِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأخْتَيْنِ. وَكَذَلِكَ نِكَاحُ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا اسْتَدَلُّوا عَلَى فَسَادِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠]، وَكَذَلِكَ الصَّحَابَةُ اسْتَدَلُّوا عَلَى فَسَادِ نِكَاحِ الشِّغَارِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ، فَهُوَ مِن الْفَسَادِ لَيْسَ مِن الصَّلَاحِ، فَإِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَيُحِبُّ الصَّلَاحَ.
فَالطَّلَاقُ الْمُحَرَّمُ وَالصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ فِيهِمَا نِزَاعٌ، وَلَيْسَ عَلَى الصِّحَّةِ نَصٌّ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَ الْمُحْتَجِّ بِهِمَا حُجَّةٌ.
لَكِنْ مِن الْبُيُوعِ مَا نُهِيَ عَنْهُ لِمَا فِيهَا مِن ظُلْمِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ؛ كَبَيْعِ الْمُصَرَّاةِ، وَالْمَعِيبِ، وَتَلَقِّي السِّلَعَ، وَالنَّجْش وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الْبُيُوعَ لَمْ يَجْعَلْهَا الشَّارعُ لَازِمَةً كَالْبُيُوعِ الْحَلَالِ؛ بَل جَعَلَهَا غَيْرَ لَازِمَةٍ، وَالْخِيَرَةُ فِيهَا إلَى الْمَظْلُومِ: إنْ شَاءَ أَبْطَلَهَا وَإِن شَاءَ أَجَازَهَا.
فَإِنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لَهُ، وَالشَّارعُ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا لِحَقٍّ مُخْتَصٍّ بِاللهِ كَمَا نَهَى عَن الْفَوَاحِشِ؛ بَل هَذِهِ إذَا عَلِمَ الْمَظْلُومُ بِالْحَالِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ مِثْل أنْ يَعْلَمَ بِالْعَيْبِ وَالتَّدْلِيسِ وَالتَّصْرِيَةِ، وَيعْلَمَ السِّعْرَ إذَا كَانَ قَادِمًا بِالسِّلْعَةِ، وَيرْضَا بِأَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute