وَمَن أُهْدِيَ لَهُ لِأَجْلِ قَرْضٍ أَو إقْرَاضٍ: كَانَت الْهَدِيَّةُ كَالْمَالِ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدِ الْقَرْضِ وَالْقِرَاضِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ عَنْهَا مُكَافَأةٌ.
وَهَذَا أصْلٌ عَظِيمٌ يَدْخُلُ بِسَبَبِ إهْمَالِهِ مِن الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ شَيءٌ عَظِيمٌ.
فَصْلٌ
وَكَمَا قُلْنَا فِي الْمَقْبُوضِ: إنَّهُ قَبْلَ الْوَفَاءِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْه مَالًا وَلَا نَفْعًا قَبْلَ الْوَفَاءِ بِغَيْرِ عِوَضٍ مِثْلِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِن الرِّبَا، فَالْإِهْدَاءُ وَالْإِعَارَةُ مِن نَوْعٍ، فَكَذَلِكَ فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْمُزَارَعَةِ، مَتَى أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ مَالًا أَو نَفْعًا قَبْلَ الِاقْتِسَامِ التَّامِّ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِعِوَضِ مِثْلِهِ؛ مِثْل اسْتِخْدَامِ الْعَامِلِ وَالْفَلَّاحِ فِي غَيْرِ مُوجَبِ عَقْدِ الْمُشَارَكَة، أَو الِانْتِفَاعِ بِمَالِهِ، أَو غَيْرِ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَحْتَسِبَ لَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ. [٣٠/ ١٠٣ - ١٠٩]
٣٨٠٩ - وَأَمَّا الْمُزَارَعَةُ: فَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ مِن الْعَامِلِ أَو مِن رَبِّ الْأَرْضِ، أَو كَانَ مِن شَخْص أَرْضٌ وَمِن آخَرَ بَذْرٌ وَمِن ثَالِثٍ الْعَمَلُ: فَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ عَن أَحْمَد، وَالصَّوابُ أَنَّهَا تَصِحُّ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَأمَّا إذَا كانَ الْبَذْرُ مِن الْعَامِلِ: فَهُوَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِمَّا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِن الْمَالِكِ؛ فَإِنَّ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - عَامَلَ أهْلَ خَيْبَرَ عَلَى أَنْ يعمرُوهَا مِن أَمْوَالِهِمْ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِن ثَمَرِ وَزَرْع. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ (١).
وَقِصَّةُ أَهْلِ خَيْبَرَ هِيَ الْأصْلُ فِي جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ، وإِنَّمَا كَانُوا يَبْذُرُونَ مِن أَمْوَالِهِمْ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَن فَرَّقَ بَيْنَ الْمُزَارَعَةِ وَالْإِجَارَةِ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَمْنُوعٌ؛ بَل إذَا زَارَعَهُ حَوْلًا بِعَيْنِهِ فَالْمُزَارَعَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ، كَمَا تَلْزَمُ إذَا كَانَت بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ، وَالْإِجَارَةُ قَد لَا تَكُونُ لَازِمَةً، كَمَا إذَا
(١) رواه البخاري (٢٢٨٥)، ومسلم (١٥٥١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute